إلا في الحرام فيكون النظر هكذا:"كل بدعة ضلالة، وكل ضلالة يؤثم صاحبها، فكل بدعة يؤثم صاحبها، وكل ما يؤثم عليه فهو حرام: فكل بدعة حرام.
وقد دخلت بدعة اختراع القرب في قوله: "وكل بدعة ضلالة" بمقتضى عموم اللفظ. ويدل على دخولها ما ثبت في الصحيح أن النبي- صلى الله عليه وآله وسلم- رد على من قال أما أنا فأقوم الليل، ولا أنام، وعلى من قال أما أنا فلا أنكح النساء، وعلى من قال أما أنا فأصوم ولا أفطر، رد عليهم بقوله:«من رغب عن سنتي فليس مني» ولم يكن ما التزموه إلا فعل مندوب في أصله أو ترك مندوب ومع ذلك رد عليهم بتلك العبارة التي هي أشد شيء في الإنكار فكل من أراد أن يتقرب بما لم يكن قربة فهو مردود عليه بمثل هذه العبارة الشديدة في الإنكار. ويدل أيضا على دخولها ما ثبت في الصحيح عن قيس بن حازم قال: دخل رسول الله- صلى الله عليه وآله وسلم- على امرأة من قيس يقال لها زينب فرآها لا تتكلم فقال: ما لها، فقال: حجت مصمتة، قال لها:«تكلمي فإن هذا لا يحل، هذا من عمل الجاهلية» فهذه أرادت أن تتقرب بما ليس قربة فجعل عملها من عمل الجاهلية وقال: أنه لا يحل فكل مريد للتقرب بما لم يكن قربة فيقال في فعله ما قيل في فعلها. ووجه الدليل من الحديثين أن التقرب بما ليس قربة أنكر أشد الإنكار وقيل فيه لا يحل، وقيل فيه من عمل الجاهلية فلا يكون بعد هذا كله إلا ضلالا فيدخل- قطعا- في عموم قوله:«وكل بدعة ضلالة» فيثبت له التحريم بالنظر المتقدم.
(لها بقية)(عبد الحميد بن باديس)
البصائر السنة ١، العدد ١٧، الصفحة ١، العمود ٢ و٣ من صفحة ٢، الجزائر في يوم الجمعة ٩ صفر ١٣٥٥ هجرية، الموافق ليوم ١ ماي ١٩٣٦م.