لما تجاهل المشركون الرحمن واستكبروا عن السجود له عرفهم القرآن بالرحمن بخلقه وتدبيره وإنعامه كما مضى في الآيات المتقدمة، ثم عرفهم بعباده الذين عرفوه بذلك فآمنوا به وخصوا له بما اشتملت عليه هذه الآيات من صفاتهم. وكما كانت مخلوقات الله المذكورة سابقاً دالة عليه ومعرفة به بما فيها من آثار قدرته وآثار رحمته كذلك كان عباده المذكورون أدلة عليه ومعرفين به بأقوالهم وأفعالهم وهديهم وسلوكهم ومظاهر آثار رحمة الله عليهم، فذكروا بعد ذكر تلك المخلوقات وذكرت هي قبلهم لأنها كانت أدلة لهم، والدليل سابق على المستدل سبق المستفاد منه على المستفيد. وفي تعريف القرآن لعباد الرحمن بعد تعريفه بالرحمن تشريف كبير لهم وتبكيت لأولئك المتجاهلين المتكبرين، ووجه آخر في المناسبة، وهو أنه لما ذكر التذكر والشكر في الليل والنهار في الآية المتقدمة ذكر صفات المتذكرين الشاكرين وما أثمره لهم تذكرهم وشكرهم ترغيباً في التذكر والشكر.