للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أزيدها، قال مالك: وأي فتنة أعظم من أن ترى أنك سبقت إلى فضيلة قصر عنها رسول الله- صلى الله عليه وآله وسلم- إني سمعت الله يقول: {فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ}.

فهذا الرجل لا نذر في كلامه وقد أراد الإحرام- وهو في نفسه عبادة- من موضع فاضل لا بقعة أشرف منه وهو مسجد رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم- وموضع قبره. وأراد أن يزيد أميالا تقرباً لله تعالى بإيقاع الإحرام بذلك الموضع الشريف وزيادة التعب بالأميال. ومع ذلك رده مالك عن ذلك وبيَّن له قبح فعله بما يراه لنفسه من السبق وقرأ عليه الآية مستدلا بها وما كان مثل هذا داخلا في الآية عنده ألا وهو يراه حراما.

فهذا هو مستند الشاطبي في فهم كلام مالك والحكم بأنه يرى في كل بدعة تقرب بما ليس قربة الحرمة لا كراهة التنزيه. فلم يكن متوهما ولا متقولا ولا مقدما على التحريم بدون دليل.

وقد بان مما تقدم أن الحكم على بدعة التقرب بما ليس قربة محكوم عليها بالضلالة والحرمة وأن ذلك هو مذهب إمام دار الهجرة، وبعد ثبوت الحق بالدليل، سقط كل قال وقيل، ونزيد على ذلك الآن ما قاله فقهاؤنا المتأخرون في بدع الجنائز من القراءة ونحوها: "سئل أبو سعيد بن لب كبير فقهاء غرناطة في عصره عما يفعله الناس في جنائزهم حين حملها من جهرهم بالتهليل والتصلية والتبشير والتنذير ونحو ذلك على صوت واحد أمام الجنازة. كيف حكم ذلك في الشرع؟. فأجاب: السنة في اتباع الجنائز الصمت والتفكر والاعتبار. خرَّج ابن المبارك أن النبي- صلى الله عليه وآله وسلم- كان إذا اتبع جنازة أكثر الصمت وأكثر حديث نفسه. قال فكانوا

<<  <  ج: ص:  >  >>