فَإِنْ كَانَ الصَّلِيبُ، أَوْ الْوَثَنُ، مِنْ حَجَرٍ لَا قِيمَةَ لَهُ أَصْلًا بَعْدَ الْكَسْرِ، فَلَا قَطْعَ فِيهِ أَصْلًا، لِمَا ذَكَرْنَا قَبْلُ مِنْ قَوْلِ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - «إنَّ يَدَ السَّارِقِ لَمْ تَكُنْ تُقْطَعُ فِي عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الشَّيْءِ التَّافِهِ» وَسَنَسْتَقْصِي الْكَلَامَ فِي ذَلِكَ - إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى - فِي كَلَامِنَا " فِي مِقْدَارِ مَا يُقْطَعُ فِيهِ السَّارِقُ ".
وَأَمَّا التَّنَاقُضُ، فَظَاهِرٌ أَيْضًا؛ لِأَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ صُورَةٍ وَصُورَةٍ بِلَا بُرْهَانٍ وَكِلَاهُمَا مُحَرَّمٌ تَصْوِيرُهُ، وَمُتَوَعَّدٌ عَلَيْهِ بِالْعَذَابِ الشَّدِيدِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ. وَأَمَّا فَسَادُ احْتِجَاجِهِ، بِأَنَّ الصَّلِيبَ يُعْبَدُ، وَالصُّورَةُ الَّتِي فِي الدَّرَاهِمِ لَا تُعْبَدُ، فَإِنَّ الْهِنْدَ يَعْبُدُونَ الْبَقَرَ كَمَا يَعْبُدُ النَّصَارَى الصَّلِيبَ، وَيُعَظِّمُونَهَا كَمَا يُعَظَّمُ الصَّلِيبُ، وَلَا فَرْقَ - فَيَلْزَمُهُ أَيْضًا، أَنْ لَا يَقْطَعَ فِي سَرِقَةِ الْبَقَرِ.
فَإِنْ قَالُوا: إنَّنَا نَحْنُ لَا نَعْبُدُهَا؟ قُلْنَا لَهُمْ: وَإِنَّنَا نَحْنُ أَيْضًا لَا نَعْبُدُ الصَّلِيبَ، وَلَا نُعَظِّمُهُ - وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ - وَالْعَجَبُ كُلُّ الْعَجَبِ مِنْ إسْقَاطِ أَبِي حَنِيفَةَ الْقَطْعَ عَنْ سَارِقِ الصَّلِيبِ، وَهُوَ يَقْتُلُ الْمُسْلِمِ إذَا قَتَلَ عَابِدَ الصَّلِيبِ؟ فَلَئِنْ كَانَ لِعَابِدِ الصَّلِيبِ مِنْ الْحُرْمَةِ عِنْدَهُمْ مَا يُسْتَبَاحُ بِهِ دَمُ الْمُسْلِمِ، فَإِنَّ لِمَالِ عَابِدِ الصَّلِيبِ مِنْ الْحُرْمَةِ مَا تُسْتَبَاحُ بِهِ يَدُ سَارِقِهِ، وَالصَّلِيبُ مَالٌ مِنْ مَالِهِ، هَذَا عَلَى أَنَّ النَّهْيَ قَدْ صَحَّ «أَنْ لَا يُقْتَلَ مُؤْمِنٌ بِكَافِرٍ» عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ".
نَعَمْ، وَعَنْ اللَّهِ تَعَالَى فِي الْقُرْآنِ، إذْ يَقُولُ {وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلا} [النساء: ١٤١] .
وَإِذْ يَقُولُ تَعَالَى {أَفَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِينَ كَالْمُجْرِمِينَ} [القلم: ٣٥] {مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ} [القلم: ٣٦] .
وَلَمْ يَأْتِ نَهْيٌ قَطُّ عَنْ قَطْعِ يَدِ مَنْ سَرَقَ مَالَ كَافِرٍ ذِمِّيٍّ بَلْ أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى بِقَطْعِهِ فِي عُمُومِ قَوْلِهِ {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا} [المائدة: ٣٨] .
وَقَدْ عَلِمَ اللَّهُ تَعَالَى أَنَّ السَّارِقَ يَسْرِقُ مِنْ مُسْلِمٍ وَمِنْ ذِمِّيٍّ، فَنَحْنُ نُقْسِمُ بِاَللَّهِ تَعَالَى أَنَّهُ لَوْ أَرَادَ اسْتِثْنَاءَ سَارِقِ مَالِ الذِّمِّيِّ لَمَا سَكَتَ عَنْ ذَلِكَ، وَلَا نَسِيَهُ، وَلَبَيَّنَهُ، كَمَا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.app/page/contribute