فَنَظَرْنَا هَلْ لَهُمْ حُجَّةٌ غَيْرُ هَذَا؟ فَوَجَدْنَاهُمْ يَذْكُرُونَ قَوْلَ اللَّهِ تَعَالَى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقُولُوا رَاعِنَا} [البقرة: ١٠٤] الْآيَةَ. قَالُوا: وَكَانَ الْكُفَّارُ يَقُولُونَ لِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رَاعِنَا، يُرِيدُونَ مِنْ " الرُّعُونَةِ " وَهَذَا تَعْرِيضٌ، فَنَهَى عَنْ التَّعْرِيضِ؟ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَهَذَا حُجَّةٌ عَلَيْهِمْ لَا لَهُمْ لِوُجُوهٍ: أَوَّلُهَا: أَنَّنَا لَمْ نُخَالِفْهُمْ فِي أَنَّ " التَّعْرِيضَ " لَا يَجُوزُ، فَيَحْتَجُّوا بِهَذَا، وَإِنَّمَا خَالَفْنَاهُمْ فِي هَلْ فِيهِ حَدٌّ أَمْ لَا؟ وَلَيْسَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ لَوْ صَحَّ اسْتِدْلَالُهُمْ بِهَا إلَّا النَّهْيُ عَنْ التَّعْرِيضِ فَقَطْ وَلَيْسَ فِيهَا إيجَابُ حَدٍّ فِيهِ أَصْلًا، فَظَهَرَ تَمْوِيهُهُمْ بِالْآيَةِ. وَالثَّانِي: أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَمْ يَحُدَّ الَّذِينَ عَرَّضُوا بِهَذَا التَّعْرِيضِ فَكَيْفَ يَحْتَجُّونَ بِهَا فِي إيجَابِ الْحَدِّ وَالثَّالِثُ: أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى إنَّمَا نَهَى عَنْ قَوْلِ " رَاعِنَا " مَنْ لَا يُظَنُّ بِهِ تَعْرِيضٌ أَصْلًا، فَهُمْ الصَّحَابَةُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -. فَصَحَّ يَقِينًا أَنَّهُ لَمْ يَنْهَ عَزَّ وَجَلَّ عَنْ لَفْظَةِ " رَاعِنَا " مِنْ أَجْلِ التَّعْرِيضِ، بَلْ كَمَا شَاءَ تَعَالَى، لَا لِعِلَّةٍ أَصْلًا، وَالْحَدُّ فِي ذَلِكَ سَاقِطٌ لَا يَنْسَنِدُ أَصْلًا. فَبَطَلَ تَعَلُّقُهُمْ بِالْآيَةِ جُمْلَةً، وَصَحَّ أَنَّهَا حُجَّةٌ عَلَيْهِمْ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ؟ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: فَلَمَّا بَطَلَ قَوْلُ مَنْ رَأَى الْحَدَّ فِي التَّعْرِيضِ: وَجَبَ أَنْ نَنْظُرَ فِي قَوْلِ الطَّائِفَةِ الْأُخْرَى، فَوَجَدْنَاهُمْ يَذْكُرُونَ قَوْلَ اللَّهِ تَعَالَى {وَلا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا عَرَّضْتُمْ بِهِ مِنْ خِطْبَةِ النِّسَاءِ أَوْ أَكْنَنْتُمْ فِي أَنْفُسِكُمْ} [البقرة: ٢٣٥] إلَى قَوْله تَعَالَى {حَتَّى يَبْلُغَ الْكِتَابُ أَجَلَهُ} [البقرة: ٢٣٥] فَفَرَّقَ عَزَّ وَجَلَّ بَيْنَ حُكْمِ التَّصْرِيحِ وَبَيْنَ حُكْمِ التَّعْرِيضِ تَفْرِيقًا لَا يَخْتَلُّ عَلَى ذِي حِسٍّ سَلِيمٍ، وَإِذَا كَانَا شَيْئَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ لَيْسَ لِأَحَدِهِمَا حُكْمُ الْآخَرِ فَلَا يَجُوزُ أَلْبَتَّةَ أَنْ يُجْعَلَ فِي أَحَدِهِمَا مَا جُعِلَ فِي الْآخَرِ بِغَيْرِ نَصٍّ وَلَا إجْمَاعٍ. وَذَكَرُوا مَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ ني أَبُو الطَّاهِرِ، وَحَرْمَلَةُ - وَاللَّفْظُ لِحَرْمَلَةَ - قَالَا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.app/page/contribute