قَالَ عَلِيٌّ: وَهَذَا الَّذِي أَنْكَرُوهُ دَاخِلٌ عَلَيْهِمْ بِمَنْعِهِمْ الْمَنْفِيَّ مِنْ الرُّجُوعِ إلَى مَنْزِلِهِ، فَهُمْ يُقِرُّونَ عَلَيْهِ اسْتِدَامَةَ تِلْكَ الْعُقُوبَةِ، فَقَدْ وَقَعُوا فِيمَا أَنْكَرُوا بِعَيْنِهِ
نَعَمْ، وَالتَّكْرَارُ أَيْضًا لَازِمٌ لِمَنْ قَالَ بِنَفْيِهِ أَوْ سَجْنِهِ سَوَاءً سَوَاءً]
قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: فَنَقُولُ: إنَّ الْمُحَارِبَ الَّذِي افْتَرَضَ اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْنَا نَفْيَهُ حَرْبًا عَلَى مُحَارَبَتِهِ فَإِنَّهُ مَا دَامَ مُصِرًّا فَهُوَ مُحَارِبٌ وَمَا دَامَ مُحَارِبًا فَالنَّفْيُ حَدٌّ مِنْ حُدُودِهِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا} [آل عمران: ١٣٥] فَمَنْ فَعَلَ الْمُحَارَبَةَ فَبِلَا شَكٍّ نَدْرِي أَنَّهُ فِي حَالِ نَوْمِهِ، وَأَكْلِهِ، وَاسْتِرَاحَتِهِ، وَمَرَضِهِ: أَنَّهُ مُحَارِبٌ، كَمَا كَانَ لَمْ يَسْقُطْ عَنْهُ الِاسْمُ الَّذِي وَسَمَهُ اللَّهُ تَعَالَى بِهِ، وَحُقَّ عَلَيْهِ الْحَدُّ بِهِ
هَذَا مَا لَا خِلَافَ فِيهِ، فَهُوَ بَعْدَ الْقُدْرَةِ عَلَيْهِ فِي حَالِ إصْرَارِهِ عَلَى الْمُحَارَبَةِ بِلَا شَكٍّ، لَا يَسْقُطُ عَنْهُ الْإِثْمُ إلَّا بِتَوْبَةٍ أَوْ نَصٍّ أَوْ إجْمَاعٍ
فَالْحَدُّ بَاقٍ عَلَيْهِ حَتَّى يَسْقُطَ بِالتَّوْبَةِ أَوْ يَسْقُطَ عَنْهُ الْحُكْمُ بِالنَّصِّ أَوْ الْإِجْمَاعِ فَلَيْسَ ذَلِكَ إلَّا بِقَطْعِ يَدِهِ وَرِجْلِهِ مِنْ خِلَافٍ، بِلَا خِلَافٍ مِنْ أَحَدٍ فِي أَنَّهُ لَا يُجَدَّدُ عَلَيْهِ قَطْعٌ آخَرُ، وَيَمْنَعُ النَّصُّ مِنْ أَنْ يُحْدِثَ لَهُ حَدًّا آخَرَ عَلَى مَا سَلَفَ مِنْهُ
قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: ثُمَّ وَجَدْنَا مَنْ قَالَ: بِنَفْيِهِ وَتَرْكِهِ فِي الْمَكَانِ الَّذِي يَنْفِيهِ إلَيْهِ - قَدْ خَالَفَ الْقُرْآنَ فِي أَنَّهُ أَقَرَّهُ فِي ذَلِكَ الْمَكَانِ، وَالْإِقْرَارُ خِلَافُ النَّفْيِ، فَقَدْ أَقَرُّوهُ فِي الْأَرْضِ فَلَمْ يَبْقَ إلَّا الْقَوْلُ الَّذِي صَحَّحْنَاهُ - وَهُوَ قَوْلُ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ، وَبِهِ نَقُولُ
فَالْوَاجِبُ أَنْ يُنْفَى أَبَدًا مِنْ كُلِّ مَكَان مِنْ الْأَرْضِ، وَأَنْ لَا يُتْرَكَ يَقَرُّ إلَّا مُدَّةَ أَكْلِهِ، وَنَوْمِهِ، وَمَا لَا بُدَّ لَهُ مِنْهُ مِنْ الرَّاحَةِ الَّتِي إنْ لَمْ يَنَلْهَا مَاتَ، وَمُدَّةَ مَرَضِهِ، لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى} [المائدة: ٢]
فَوَاجِبٌ أَنْ لَا يُقْتَلَ، وَأَنْ لَا يُضَيَّعَ، لَكِنْ يُنْفَى أَبَدًا حَتَّى يُحْدِثَ تَوْبَةً، فَإِذَا أَحْدَثَهَا سَقَطَ عَنْهُ النَّفْيُ، وَتُرِكَ يَرْجِعُ إلَى مَكَانِهِ - فَهَذَا حُكْمُ الْقُرْآنِ، وَمَتَى أَحْدَثَ التَّوْبَةَ مِنْ قُرْبٍ أَوْ بُعْدٍ سَقَطَ عَنْهُ النَّفْيُ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.
٢١٩٧ - مَسْأَلَةٌ:
وَأَمَّا نَفْيُ الزَّانِي؟ فَإِنَّ النَّاسَ اخْتَلَفُوا فِيهِ: فَقَالَتْ طَائِفَةٌ: الزَّانِي غَيْرُ الْمُحْصَنِ، يُجْلَدُ مِائَةً، وَيُنْفَى سَنَةً - الْحُرُّ، وَالْحُرَّةُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.app/page/contribute