وَأَمَّا الْمُتَأَخِّرُونَ - فَإِنَّ أَبَا حَنِيفَةَ، وَأَبَا يُوسُفَ، وَمُحَمَّدَ بْنَ الْحَسَنِ، قَالُوا: مَنْ غَصَبَ صَبِيًّا حُرًّا فَمَاتَ عِنْدَهُ بِحُمَّى أَوْ فَجْأَةً فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ - فَإِنْ أَصَابَتْهُ صَاعِقَةٌ، أَوْ نَهَشَتْهُ حَيَّةٌ: فَدِيَتُهُ عَلَى عَاقِلَةِ الْغَاصِبِ، وَكَانَ زُفَرُ يَقُولُ: لَا يَضْمَنُ فِي شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ.
وَقَالَ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ: إذَا أَرْسَلَ صَبِيًّا فِي حَاجَةٍ فَجَنَى الصَّبِيُّ جِنَايَةً، قَالَ: فَلَيْسَ عَلَى الَّذِي أَرْسَلَهُ شَيْءٌ مِنْ جِنَايَتِهِ، قَالَ: فَإِذَا أَرْسَلَ مَمْلُوكًا فِي حَاجَةٍ فَجَنَى، فَإِنَّ الْجِنَايَةَ عَلَى الَّذِي أَرْسَلَهُ، قَالَ: فَإِنْ اسْتَعْمَلَ أَجِيرًا صَغِيرًا فِي حَاجَةٍ فَأَكَلَهُ الذِّئْبُ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ.
وَقَالَ الْحَسَنُ بْنُ حَيٍّ: مَنْ أَمَرَ صَغِيرًا، أَوْ مَمْلُوكًا لِغَيْرِهِ بِأَنْ يَسْقِيَهُ مَاءً، أَوْ يُنَاوِلَهُ وَضُوءًا فَلَا بَأْسَ بِذَلِكَ، قَالَ: فَإِنْ عَنِتَا فِي ذَلِكَ فَعَلَيْهِ ضَمَانُهُمَا.
وَقَالَ مَالِكٌ: الْأَمْرُ الَّذِي عَلَيْهِ الْفُقَهَاءُ مِنْهُمْ: أَنَّ الرَّجُلَ إذَا اسْتَعَانَ صَغِيرًا، أَوْ عَبْدًا مَمْلُوكًا فِي شَيْءٍ لَهُ بَالٌ، فَإِنَّهُ ضَامِنٌ لِمَا أَصَابَهُمَا - إذَا كَانَ ذَلِكَ بِغَيْرِ إذْنٍ - وَإِذَا أَمَرَ الرَّجُلُ الصَّبِيَّ الْحُرَّ أَنْ يَنْزِلَ فِي بِئْرٍ، أَوْ يَرْقَى فِي نَخْلَةٍ، فَهَلَكَ فِي ذَلِكَ: أَنَّ الَّذِي أَمَرَهُ ضَامِنٌ لِمَا أَصَابَهُ - فَإِنْ اسْتَعَانَ كَبِيرًا حُرًّا فَأَعَانَهُ، فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ إلَّا أَنْ يُسْتَغْفَلَ أَوْ يُسْتَجْهَلَ.
قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَقَدْ رُوِّينَا عَنْ مَالِكٍ: أَنَّ مَنْ غَصَبَ حُرًّا فَبَاعَهُ فَطُلِبَ؟ فَلَمْ يُوجَدْ: أَنَّهُ يَضْمَنُ دِيَتَهُ - وَأَمَّا الشَّافِعِيُّ - فَلَا نَعْلَمُ لَهُ فِي هَذَا قَوْلًا.
وَقَدْ رُوِيَ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - أَنَّهَا بَعَثَتْ إلَى مُعَلِّمِ الْكِتَابِ، ابْعَثْ لِي غِلْمَانًا يَنْفُشُونَ صُوفًا وَلَا تَبْعَثْ إلَيَّ حُرًّا؟ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: فَلَمَّا اخْتَلَفُوا - كَمَا ذَكَرْنَا - وَجَبَ أَنْ نَنْظُرَ فِي ذَلِكَ لِيَلُوحَ الْحَقُّ مِنْ ذَلِكَ فَنَتْبَعُهُ - بِعَوْنِ اللَّهِ تَعَالَى وَمَنِّهِ - فَابْتَدَأْنَا بِمَا رُوِيَ فِي ذَلِكَ عَنْ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -: فَأَمَّا الرِّوَايَةُ - عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - فِي طَلَبِهَا غِلْمَانًا يَنْفُشُونَ لَهَا الصُّوفَ، وَاشْتَرَطَتْ: أَنْ لَا يَكُونَ فِيهِمْ حُرٌّ؟ فَلَيْسَ فِيهِ مِنْ حُكْمِ التَّضْمِينِ قَلِيلٌ وَلَا كَثِيرٌ، فَلَا مَدْخَلَ لَهُ فِي هَذَا الْبَابِ - وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِمُرَادِهَا - وَلَعَلَّ نَفْشَ الصُّوفِ كَانَ بِحَضْرَتِهَا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.app/page/contribute