وَقَالَتْ طَائِفَةٌ: لَا يُقْتَلُ - كَمَا رُوِّينَا بِالسَّنَدِ الْمَذْكُورِ إلَى أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ نا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ عَنْ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ يُونُسَ بْنِ عُبَيْدٍ عَنْ الْحَسَنِ فِيمَنْ قَتَلَ بَعْدَ أَخْذِ الدِّيَةِ، قَالَ: تُؤْخَذُ مِنْهُ الدِّيَةُ وَلَا يُقْتَلُ.
قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: فَلَمَّا اخْتَلَفُوا - كَمَا ذَكَرْنَا - وَجَبَ أَنْ نَنْظُرَ فِي ذَلِكَ لِنَعْلَمَ الْحَقَّ فَنَتْبَعَهُ - بِعَوْنِ اللَّهِ تَعَالَى وَمِنْهُ - فَنَظَرْنَا فِي ذَلِكَ: فَوَجَدْنَا رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَدْ قَالَ «مَنْ قُتِلَ لَهُ بَعْدَ مَقَالَتِي هَذِهِ قَتِيلٌ فَأَهْلُهُ بَيْنَ خِيَرَتَيْنِ إمَّا أَنْ يَأْخُذُوا الْعَقْلَ وَإِمَّا أَنْ يَقْتُلُوا» أَوْ كَلَامًا هَذَا مَعْنَاهُ.
فَصَحَّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يَجْعَلْ لِلْأَهْلِ إلَّا أَحَدَ الْأَمْرَيْنِ: إمَّا الدِّيَةُ، وَإِمَّا الْقَوَدُ وَلَمْ يَجْعَلْ الْأَمْرَيْنِ مَعًا، فَإِذَا قَتَلَ فَلَا دِيَةَ لَهُ، وَإِذَا أَخَذَ الدِّيَةَ فَلَا قَتْلَ لَهُ - هَذَا نَصُّ حُكْمِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -.
فَوَجَدْنَا أَهْلَ الْمَقْتُولِ لَمَّا عَفَوْا وَأَخَذُوا الدِّيَةَ حَلَّتْ لَهُمْ، وَصَارَتْ حَقَّهُمْ، وَبَطَلَ مَا كَانَ لَهُمْ مِنْ الْقَوَدِ، لَيْسَ لَهُمْ جَمِيعُ الْأَمْرَيْنِ بِالنَّصِّ، فَإِذَا بَطَلَ حَقُّهُمْ فِي الْقَوَدِ بِذَلِكَ حُرِّمَ الْقَوَدُ وَحَلَّتْ الدِّيَةُ.
وَلَوْلَا أَنَّ الْقَوَدَ حُرِّمَ لَمَّا حَلَّتْ الدِّيَةُ، فَإِذَا حُرِّمَ الْقَوَدُ فَقَدْ قَتَلُوا نَفْسًا مُحَرَّمَةً حَرَّمَهَا اللَّهُ تَعَالَى، وَإِذْ قَتَلُوا نَفْسًا مُحَرَّمَةً فَالْقَوَدُ وَاجِبٌ فِي ذَلِكَ، بِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا يَحِلُّ دَمُ امْرِئٍ مُسْلِمٍ إلَّا بِإِحْدَى ثَلَاثٍ: رَجُلٌ كَفَرَ بَعْدَ إيمَانِهِ، أَوْ زَنَى بَعْدَ إحْصَانِهِ، أَوْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ» .
فَإِنْ قِيلَ: هَذَا قَتَلَ نَفْسًا بِنَفْسٍ؟ قِيلَ لَهُ: لَا تَحِلُّ النَّفْسُ بِالنَّفْسِ إلَّا حَيْثُ أَحَلَّهَا اللَّهُ تَعَالَى عَلَى لِسَانِ نَبِيِّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَإِنَّمَا أَحَلَّهَا اللَّهُ تَعَالَى إذَا اخْتَارُوا ذَلِكَ دُونَ الدِّيَةِ، وَأَمَّا إذَا اخْتَارُوا الدِّيَةَ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِمْ تِلْكَ النَّفْسَ، إذْ لَمْ يَجْعَلْ لَهُمْ إلَّا أَحَدَ الْأَمْرَيْنِ.
وَمَنْ ادَّعَى فِي ذَلِكَ شَيْئًا صَحَّ تَحْلِيلُهُ أَنَّهُ حُرِّمَ فَهُوَ مُبْطِلٌ، إلَّا أَنْ يَأْتِيَ فِي
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.app/page/contribute