وَأَيْضًا - فَإِنَّ الْوَصِيَّ عِنْدَهُمْ لَا يَقْتَصُّ لِلصَّغِيرِ - فَبَطَلَ تَمْوِيهُهُمْ جُمْلَةً.
قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَاَلَّذِي نَقُولُ بِهِ قَدْ قَدَّمْنَا فِي الْبَابِ الَّذِي قَبْلَ هَذَا أَنَّ الْقَوْلَ قَوْلُ مَنْ دَعَا إلَى الْقَوَدِ فَلِلْكَبِيرِ، وَلِلْحَاضِرِ الْعَاقِلِ: أَنْ يَقْتُلَ وَلَا يَسْتَأْنِيَ بُلُوغَ الصَّغِيرِ، وَلَا إفَاقَةَ الْمَجْنُونِ، وَلَا قُدُومَ الْغَائِبِ فَإِنْ عَفَا الْحَاضِرُونَ الْبَالِغُونَ لَمْ يَجُزْ ذَلِكَ عَلَى الصَّغِيرِ، وَلَا عَلَى الْغَائِبِ، وَلَا عَلَى الْمَجْنُونِ، بَلْ هُمْ عَلَى حَقِّهِمْ فِي الْقَوَدِ حَتَّى يَبْلُغَ الصَّغِيرُ، وَيُفِيقَ الْمَجْنُونُ، فَإِذَا كَانَ ذَلِكَ فَإِنْ طَلَبَ أَحَدُهُمْ الْقَوَدَ؟ قُضِيَ لَهُ بِهِ، وَإِنْ اتَّفَقُوا كُلُّهُمْ عَلَى الْعَفْوِ جَازَ ذَلِكَ حِينَئِذٍ، لِمَا ذَكَرْنَا فِي الْبَابِ الَّذِي قَبْلَ هَذَا - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.
قَالَ عَلِيٌّ: فَإِنْ مَاتَ الصَّغِيرُ أَوْ الْغَائِبُ أَوْ الْمَجْنُونُ كَانَ حِينَئِذٍ رُجُوعُ الْأَمْرِ إلَى مَنْ بَقِيَ مِنْ الْوَرَثَةِ، وَلَا يَلْزَمُ مَنْ عَفَا - فَلَمْ يَنْفُذْ عَفَوْهُ - ذَلِكَ الْعَفْوُ الَّذِي قَدْ بَطَلَ، بَلْ لَهُ الرُّجُوعُ فِيهِ، لِأَنَّهُ لَا حُكْمَ لَهُ فِي نَصٍّ، وَلَا إجْمَاعٍ، وَإِنَّمَا الْعَفْوُ اللَّازِمُ عَفْوٌ صَحَّ بِإِمْضَائِهِ نَصٌّ، أَوْ إجْمَاعٌ فَقَطْ، لِقَوْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ عَمِلَ عَمَلًا لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُنَا فَهُوَ رَدٌّ» .
وَمَنْ عَفَا دُونَ سَائِرِ " الْأَهْلِ " فَقَدْ عَمِلَ عَمَلًا لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَهُوَ رَدٌّ.
قَالَ عَلِيٌّ: وَمَنْ مَاتَ مِنْ " الْأَهْلِ " لَمْ يُوَرَّثُ عَنْهُ الْخِيَارُ، لِأَنَّ الْخِيَارَ لِلْأَهْلِ بِنَصِّ حُكْمِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَمَنْ كَانَ مِنْ الْأَهْلِ فَلَهُ الْخِيَارُ، وَمَنْ لَمْ يَكُنْ مِنْ الْأَهْلِ فَلَا خِيَارَ لَهُ أَصْلًا، إذْ لَمْ يُوجِبْ ذَلِكَ نَصٌّ، وَلَا إجْمَاعٌ، وَالْخِيَارُ لَيْسَ مَالًا فَيُوَرَّثُ، وَإِنَّمَا جَعَلَ اللَّهُ الْمِيرَاثَ فِيمَا تَرَكَ الْمَوْرُوثُ وَالْخِيَارُ لَيْسَ مَالًا مَوْرُوثًا.
وَلَوْ كَانَ الْخِيَارُ مَالًا مَوْرُوثًا لَوَجَبَ فِيهِ حَقُّ أَهْلِ الْوَصِيَّةِ بِالثُّلُثِ فَدُونَهُ.
قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: فَإِنْ كَانَ الْوَارِثُ صَغِيرًا، أَوْ مَجْنُونًا، أَوْ غَائِبًا - وَلَا وَارِثَ هُنَالِكَ غَيْرُهُ -: فَقَدْ وَجَبَ الْقَوَدُ بِلَا شَكٍّ، وَلَا تَجِبُ الدِّيَةُ، وَلَا الْمُفَادَاةُ، إلَّا بِرِضَا الْوَارِثِ، أَوْ بِتَرَاضٍ مِنْهُ، وَمِنْ الْقَاتِلِ.
وَقَدْ عَلِمْنَا أَنَّ الصَّغِيرَ، وَالْأَحْمَقَ، لَا رِضَا لَهُمَا، وَالْقَوَدُ حَقٌّ قَدْ وَجَبَ لَهُمَا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.app/page/contribute