قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: فَإِنْ وَطِئَهَا لَمْ يَكُنْ بِذَلِكَ مُرَاجِعًا لَهَا حَتَّى يَلْفِظَ بِالرَّجْعَةِ وَيُشْهِدَ، وَيُعْلِمَهَا بِذَلِكَ قَبْلَ تَمَامِ عِدَّتِهَا، فَإِنْ رَاجَعَ وَلَمْ يُشْهِدْ فَلَيْسَ مُرَاجِعًا لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ فَارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ} [الطلاق: ٢] فَرَّقَ عَزَّ وَجَلَّ بَيْنَ الْمُرَاجَعَةِ، وَالطَّلَاقِ وَالْإِشْهَادِ، فَلَا يَجُوزُ إفْرَادُ بَعْضِ ذَلِكَ عَنْ بَعْضٍ، وَكَانَ مَنْ طَلَّقَ وَلَمْ يُشْهِدْ ذَوَيْ عَدْلٍ، أَوْ رَاجَعَ وَلَمْ يُشْهِدْ ذَوَيْ عَدْلٍ، مُتَعَدِّيًا لِحُدُودِ اللَّهِ تَعَالَى.
وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ عَمِلَ عَمَلًا لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُنَا فَهُوَ رَدٌّ» .
فَإِنْ قِيلَ: قَدْ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: {وَأَشْهِدُوا إِذَا تَبَايَعْتُمْ} [البقرة: ٢٨٢] .
وَقَالَ تَعَالَى فِي الدَّيْنِ الْمُؤَجَّلِ: {وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ فَإِنْ لَمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ} [البقرة: ٢٨٢] .
فَلِمَ أَجَزْتُمْ الْبَيْعَ الْمُؤَجَّلَ وَغَيْرَهُ إذَا لَمْ يُشْهِدْ عَلَيْهِ؟ وَقَالَ تَعَالَى: {فَإِذَا دَفَعْتُمْ إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ فَأَشْهِدُوا عَلَيْهِمْ} [النساء: ٦] .
فَلِمَ أَجَزْتُمْ الدَّفْعَ إلَى الْيَتِيمِ مَالَهُ إذَا بَلَغَ مُمَيِّزًا دُونَ إشْهَادٍ؟ قُلْنَا: لَمْ نُجِزْ دَعْوَاهُ لِلدَّفْعِ لَا حَتَّى يَأْتِيَ بِالْبَيِّنَةِ، وَقَضَيْنَا بِالْيَمِينِ عَلَى الْيَتِيمِ إنْ لَمْ يَأْتِ الْمَوْلَى بِالْبَيِّنَةِ عَلَى أَنَّهُ قَدْ دَفَعَ إلَيْهِ مَالَهُ، وَلَكِنْ جَعَلْنَاهُ عَاصِيًا لِلَّهِ تَعَالَى إنْ حَلَفَ حَانِثًا فَقَطْ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.app/page/contribute