فَأَمَّا قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ إنَّهُ يَصِحُّ بَعْدَ الدُّخُولِ، فَقَوْلٌ قَدْ تَقَدَّمَ تَبْيِينُنَا لِفَسَادِهِ وَتَعَرِّيهِ مِنْ الْبُرْهَانِ جُمْلَةً.
وَأَمَّا أَبُو حَنِيفَةَ، وَالشَّافِعِيُّ، وَأَصْحَابُهُمَا، فَإِنَّهُمْ قَالُوا: إنَّمَا فَسَدَ هَذَا النِّكَاحُ لِفَسَادِ صَدَاقِهِ فَقَطْ - ثُمَّ اخْتَلَفُوا -: فَقَالَ الشَّافِعِيُّ: وَالصَّدَاقُ الْفَاسِدُ يَفْسَخُ، فَكَانَ نِكَاحُ كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا صَدَاقًا لِلْأُخْرَى، فَهُمَا مَفْسُوخَانِ - قَالَ: فَإِنْ سَمَّيَا لِإِحْدَاهُمَا صَدَاقًا صَحَّ ذَلِكَ النِّكَاحُ، وَصَحَّ نِكَاحُ الْأُخْرَى لِصِحَّةِ صَدَاقِهِ.
قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: فَكَانَ هَذَا قَوْلًا فَاسِدًا، لِأَنَّهُ إنْ كَانَ هَذَا الْعَقْدُ الَّذِي سُمِّيَ فِيهِ الصَّدَاقُ صَحِيحًا فَهُوَ صَدَاقٌ صَحِيحٌ، فَلَا مَعْنَى لِفَسْخِهِ وَإِصْلَاحِهِ بِصَدَاقٍ آخَرَ إذًا.
فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: بَلْ هُوَ فَاسِدٌ؟ قُلْنَا: فَقُلْ بِقَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ الَّذِي يُجِيزُ كُلَّ ذَلِكَ وَيُصْلِحُ الصَّدَاقَ، وَإِلَّا فَهِيَ مُنَاقَضَةٌ ظَاهِرَةٌ.
ثُمَّ نَظَرْنَا فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ، فَوَجَدْنَاهُ ظَاهِرَ الْفَسَادِ لِمُخَالَفَةِ حُكْمِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - جِهَارًا.
قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَدَعْوَى الشَّافِعِيِّ أَنَّهُ إنَّمَا نَهَى عَنْ الشِّغَارِ لِفَسَادِ الصَّدَاقِ فِي كِلَيْهِمَا دَعْوَى كَاذِبَةٌ؛ لِأَنَّهَا تَقْوِيلٌ لِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَا لَمْ يَقُلْ وَهَذَا لَا يَجُوزُ.
فَإِنْ ذَكَرُوا مَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ مَالِكٍ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ «إنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَهَى عَنْ الشِّغَارِ - وَالشِّغَارُ أَنْ يُزَوِّجَ الرَّجُلُ ابْنَتَهُ عَلَى أَنْ يُزَوِّجَهُ ابْنَتَهُ لَيْسَ بَيْنَهُمَا صَدَاقٌ» .
وَمَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ ثَابِتٍ الْبُنَانِيِّ وَآخَرَ مَعَهُ - هُوَ يَزِيدُ الرَّقَاشِيُّ - عَنْ أَنَسٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لَا شِغَارَ فِي الْإِسْلَامِ وَالشِّغَارُ أَنْ يُبَدِّلَ الرَّجُلُ الرَّجُلَ أُخْتَهُ بِأُخْتِهِ بِغَيْرِ ذِكْرِ صَدَاقٍ» وَذَكَرَ بَاقِيَ الْحَدِيثِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.app/page/contribute