وَقَالَتْ طَائِفَةٌ: هُوَ الْوَلِيُّ صَحَّ ذَلِكَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ إنْ عَفَا وَلِيُّهَا {الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ} [البقرة: ٢٣٧] وَضَنَّتْ جَازَ، وَإِنْ أَبَتْ.
وَصَحَّ أَيْضًا عَنْ جَابِرِ بْنِ زَيْدٍ كَانَ يَقُولُ: أَوْ يَعْفُوَ أَبُوهَا أَوْ أَخُوهَا إنْ كَانَ وُصُولًا وَإِنْ كَرِهَتْ الْمَرْأَةُ.
وَصَحَّ أَيْضًا عَنْ عَطَاءٍ، وَعَلْقَمَةَ، وَإِبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ، وَالشَّعْبِيِّ، وَالْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ، وَأَبِي الزِّنَادِ، وَعِكْرِمَةَ مَوْلَى ابْنِ عَبَّاسٍ.
وَرُوِّينَا عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَوْلًا لَمْ يَصِحَّ عَنْهُ لِأَنَّهُ مِنْ طَرِيقِ الْكَلْبِيِّ أَنَّهُ وَلِيُّ الْبِكْرِ جُمْلَةً - وَصَحَّ عَنْ الزُّهْرِيِّ قَوْلٌ آخَرُ وَهُوَ أَنَّهُ الْأَبُ جُمْلَةً. وَقَوْلٌ خَامِسٌ: رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ مَالِكٍ عَنْ رَبِيعَةَ، وَزَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ أَنَّهُ السَّيِّدُ يَعْفُو عَنْ صَدَاقِ أَمَتِهِ، وَالْأَبُ خَاصَّةً فِي ابْنَتِهِ الْبِكْرِ خَاصَّةً: يَجُوزُ عَقْدُهُ عَنْ صَدَاقِهَا - وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ.
قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: فَنَظَرْنَا فِي هَذِهِ الْأَقْوَالِ -: فَوَجَدْنَا قَوْلَ رَبِيعَةَ، وَزَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ، وَمَالِكٍ أَظْهَرَهَا فَسَادًا وَأَبْعَدَهَا عَنْ مُقْتَضَى الْآيَةِ جُمْلَةً وَنَحْنُ نَشْهَدُ بِشَهَادَةِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَوْ أَرَادَ بِقَوْلِهِ: {أَوْ يَعْفُوَ الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ} [البقرة: ٢٣٧] سَيِّدَ الْأَمَةِ وَوَالِدَ الْبِكْرِ خَاصَّةً لَمَا سَتَرَهُ وَلَا كَتَمَهُ فَلَمْ يُبَيِّنْهُ فِي كِتَابِهِ، وَلَا عَلَى لِسَانِ رَسُولِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.
فَإِنْ قِيلَ: هَذَانِ لَا يَصِحُّ نِكَاحُ الْأَمَةِ وَالْبِكْرِ إلَّا بِعَقْدِهِمَا؟ قُلْنَا: نَعَمْ، وَلَا يَصِحُّ أَيْضًا إلَّا بِرِضَا الزَّوْجِ وَإِلَّا فَلَا، فَلَهُ فِي ذَلِكَ كَاَلَّذِي لِلسَّيِّدِ، وَلِلْأَبِ سَوَاءً سَوَاءً، فَمَنْ جَعَلَهُمَا أَوْلَى بِأَنْ يَكُونَ بِأَيْدِيهِمَا عُقْدَةُ النِّكَاحِ مِنْ الزَّوْجِ مَعَ تَخْصِيصِ الْآيَةِ بِلَا بُرْهَانٍ مِنْ قُرْآنٍ، وَلَا سُنَّةٍ صَحِيحَةٍ، وَلَا رِوَايَةٍ سَقِيمَةٍ؛ وَلَا قَوْلِ صَاحِبٍ، وَلَا قِيَاسٍ، وَلَا رَأْيٍ لَهُ وَجْهٌ؟ فَسَقَطَ هَذَا الْقَوْلُ جُمْلَةً وَسَقَطَ بِسُقُوطِهِ قَوْلُ الزُّهْرِيِّ: إنَّهُ الْأَبُ أَيْضًا جُمْلَةً - وَكَذَلِكَ سَقَطَ أَيْضًا الْقَوْلُ الَّذِي صَحَّ عَنْهُ أَنَّهُ وَلِيُّ الْبِكْرِ جُمْلَةً.
ثُمَّ نَظَرْنَا فِي قَوْلِ مَنْ قَالَ: إنَّهُ الْوَلِيُّ -: فَوَجَدْنَا الْأَوْلِيَاءَ قِسْمَيْنِ -: أَحَدُهُمَا: مَنْ ذَكَرْنَا مِنْ أَبِ الْبِكْرِ، وَسَيِّدِ الْأَمَةِ، فَكَانَ حَظُّ هَذَيْنِ فِي كَوْنِ عُقْدَةِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.app/page/contribute