وَرُوِيَ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ أَنَّهُ يُزَوِّجُهُمَا بِغَيْرِ إذْنِهَا.
وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ، وَمُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ: لَهُ أَنْ يُزَوِّجَ أَمَتَهُ مِنْ عَبْدِهِ وَإِنْ كَرِهَا جَمِيعًا - وَرُوِيَ هَذَا أَيْضًا عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ.
وَقَالَ مَالِكٌ: يُكْرِهُ الرَّجُلُ أَمَتَهُ وَعَبْدَهُ عَلَى النِّكَاحِ، وَلَا يُنْكِحْ أَمَتَهُ إلَّا بِمَهْرٍ يَدْفَعُهُ إلَيْهَا فَيَسْتَحِلُّ بِهِ فَرْجَهَا، وَلَا يُزَوِّجْ أَمَتَهُ الْفَارِهَةَ مِنْ عَبْدِهِ الْأَسْوَدِ لَا مَنْظَرَ لَهُ إلَّا أَنْ يَكُونَ عَلَى وَجْهِ النَّظَرِ وَالصَّلَاحِ يُرِيدُ بِهِ عِفَّةَ الْغُلَامِ، مِثْلُ أَنْ يَكُونَ وَكِيلَهُ، فَإِنْ كَانَ عَلَى وَجْهِ الضَّرَرِ بِالْجَارِيَةِ لَمْ يَجُزْ.
قَالَ: وَيُكْرِهُ الرَّجُلُ أَمَتَهُ الْمُعْتَقَةَ إلَى سِنِينَ عَلَى النِّكَاحِ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: أَمَّا قَوْلُ مَالِكٍ فَظَاهِرُ التَّنَاقُضِ، لِأَنَّهُ أَجَازَ إكْرَاهَ السَّيِّدِ لِأَمَتِهِ عَلَى النِّكَاحِ، وَمَنَعَ مِنْ إنْكَاحِهَا الْأَسْوَدَ إذَا كَانَ فِيهِ ضَرَرٌ عَلَيْهَا، وَأَجَازَهُ إنْ كَانَ وَكِيلَهُ وَأَرَادَ عِفَّتَهُ بِذَلِكَ -: فَأَوَّلُ ذَلِكَ: أَنَّهَا دَعَاوَى بِلَا بُرْهَانٍ.
ثُمَّ الْمُنَاقَضَةُ فِي مَنْعِهِ إنْكَاحَهَا إيَّاهُ إذَا كَانَ فِيهِ ضَرَرٌ عَلَيْهَا، وَلَا ضَرَرَ أَعْظَمُ مِنْ الْكَرَاهَةِ، وَإِلَّا فَلِمَ خَصَّ الْأَسْوَدَ لَوْلَا الْكَرَاهَةُ لَهُ، إذْ لَوْ رَاعَى الضَّرَرَ فَقَطْ لَاسْتَوَى إنْكَاحُهَا مِنْ قُرَشِيٍّ أَبْيَضَ وَمِنْ أَسْوَدَ إذَا كَانَ فِي ذَلِكَ ضَرَرٌ مِنْ ضَرْبٍ أَوْ إجَاعَةٍ غَيْرِ الْكَرَاهَةِ.
وَأَمَّا مَنْ فَرَّقَ بَيْنَ إكْرَاهِ الْأَمَةِ فَأَجَازَهُ، وَبَيْنَ إكْرَاهِ الْعَبْدِ فَلَمْ يُجِزْهُ فَإِنَّهُمْ احْتَجُّوا بِأَنَّهُ لَمَّا كَانَ الطَّلَاقُ إلَى الْعَبْدِ كَانَ النِّكَاحُ إلَيْهِ، وَلَمَّا كَانَ لِلسَّيِّدِ احْتِبَاسُ بُضْعِ الْأَمَةِ لِنَفْسِهِ كَانَ لَهُ أَنْ يُمَلِّكَ بُضْعَهَا غَيْرَهُ.
قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَهَذَا قِيَاسٌ، وَالْقِيَاسُ كُلُّهُ بَاطِلٌ، ثُمَّ لَوْ صَحَّ شَيْءٌ مِنْهُ لَكَانَ هَذَا أَسْخَفَ قِيَاسٍ فِي الْأَرْضِ، لِأَنَّهُمْ لَمْ يُوَافِقُوا عَلَى أَنَّ الطَّلَاقَ بِيَدِ الْعَبْدِ، بَلْ جَابِرٌ، وَابْنُ عَبَّاسٍ، وَغَيْرُهُمَا يَقُولَانِ: الطَّلَاقُ بِيَدِ السَّيِّدِ لَا بِيَدِ الْعَبْدِ.
وَأَمَّا قِيَاسُهُمْ تَمْلِيكَ بُضْعِ الْأَمَةِ لِغَيْرِهِ كَمَا لَهُ أَنْ يَحْبِسَهَا لِنَفْسِهِ فَسُخْفٌ مُضَاعَفٌ، لِأَنَّهُ لَا خِلَافَ أَنَّ لِلرَّجُلِ احْتِبَاسَ بُضْعِ زَوْجَتِهِ لِنَفْسِهِ أَفَتَرَاهُمْ يَقِيسُونَ عَلَى ذَلِكَ تَمْلِيكَ بُضْعِهَا لِغَيْرِهِ؟ إنَّ هَذَا لَعَجَبٌ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.app/page/contribute