حَتَّى تُسْتَأْمَرَ، وَلَا تُنْكَحُ الْبِكْرُ حَتَّى تُسْتَأْذَنَ، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ فَكَيْفَ إذْنُهَا؟ قَالَ: أَنْ تَسْكُتَ» .
قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: الْآثَارُ هَاهُنَا كَثِيرَةٌ، وَفِيهِ ذَكَرْنَا كِفَايَةً، وَقَدْ جَاءَ فِي رَدِّ نِكَاحِ الْأَبِ ابْنَتَهُ الثَّيِّبَ بِغَيْرِ إذْنِهَا حَدِيثُ خَنْسَاءَ بِنْتِ خِدَامٍ.
قَالَ عَلِيٌّ: وَقَالَ بَعْضُهُمْ: «زَوَّجَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَنَاتِهِ وَلَمْ يَسْتَأْذِنْهُنَّ» . فَقُلْنَا: هَذَا لَا يُعْرَفُ فِي شَيْءٍ مِنْ الْآثَارِ أَصْلًا، وَإِنَّمَا هِيَ دَعْوَى كَاذِبَةٌ، بَلْ قَدْ جَاءَتْ آثَارٌ مُرْسَلَةٌ بِأَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - كَانَ يَسْتَأْمِرُهُنَّ.
وَقَدْ تَقَصَّيْنَا فِي " كِتَابِ الْإِيصَالِ " مَا اعْتَرَضَ بِهِ مَنْ لَا يُبَالِي مِمَّا أَطْلَقَ بِهِ لِسَانَهُ فِي الْآثَارِ الَّتِي أَوْرَدْنَا، بِمَا لَا مَعْنَى لَهُ مِنْ رِوَايَةِ بَعْضِ النَّاسِ لَهَا بِلَفْظٍ مُخَالِفٍ لِلَّفْظِ الَّذِي رُوِّينَا، وَنَحْوِ ذَلِكَ، وَكُلُّ ذَلِكَ لَا مَعْنَى لَهُ، لِأَنَّ اخْتِلَافَ الْأَلْفَاظِ لَيْسَ عِلَّةً فِي الْحَدِيثِ، بَلْ إنْ كَانَ رَوَى جَمِيعَهَا الثِّقَاتُ وَجَبَ أَنْ تُسْتَعْمَلَ كُلُّهَا، وَيُحْكَمَ بِمَا اقْتَضَاهُ كُلُّ لَفْظٍ مِنْهَا، وَلَا يَجُوزُ تَرْكُ بَعْضِهَا لِبَعْضٍ، لِأَنَّ الْحُجَّةَ قَائِمَةٌ بِجَمِيعِهَا وَطَاعَةَ كُلِّ مَا صَحَّ عَنْهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فَرْضٌ عَلَى الْجَمِيعِ، وَمُخَالَفَةَ شَيْءٍ مِنْهُ مَعْصِيَةٌ لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَإِنْ كَانَ رَوَى بَعْضَهَا ضَعِيفٌ فَالِاحْتِجَاجُ بِهِ عَلَى مَا رَوَاهُ الثِّقَاتُ ضَلَالٌ.
وَقَدْ جَاءَ مِثْلُ قَوْلِنَا عَنْ السَّلَفِ -: نا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَبِيعٍ نا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عُثْمَانَ نا أَحْمَدُ بْنُ خَالِدٍ نا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ نا الْحَجَّاجُ بْنُ الْمِنْهَالِ نا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ نا أَيُّوبُ السِّخْتِيَانِيُّ عَنْ عِكْرِمَةَ: أَنَّ عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ كَانَ إذَا أَرَادَ أَنْ يُنْكِحَ إحْدَى بَنَاتِهِ قَعَدَ إلَى خِدْرِهَا فَأَخْبَرَهَا أَنَّ فُلَانًا يَخْطُبُهَا.
نا حُمَامُ بْنُ أَحْمَدَ نَا ابْنُ مُفَرِّجٍ نَا ابْنُ الْأَعْرَابِيِّ نا الدَّبَرِيُّ نا عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ حَبِيبٍ عَنْ نَافِعٍ قَالَ: كَانَ ابْنُ عُمَرَ يَسْتَأْمِرُ بَنَاتِهِ فِي نِكَاحِهِنَّ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.app/page/contribute