وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: يُزَوِّجُ الْأَبُ وَالْجَدُّ لِلْأَبِ إنْ كَانَ الْأَبُ قَدْ مَاتَ: الْبِكْرَ الصَّغِيرَةَ وَلَا إذْنَ لَهَا إذَا بَلَغَتْ، وَكَذَلِكَ الْبِكْرُ الْكَبِيرَةُ.
وَلَا يُزَوِّجُ الثَّيِّبَ الصَّغِيرَةَ أَحَدٌ حَتَّى تَبْلُغَ، سَوَاءٌ بِإِكْرَاهٍ ذَهَبَتْ عُذْرَتُهَا أَوْ بِرِضًا، بِحَرَامٍ أَوْ حَلَالٍ.
وَأَمَّا الثَّيِّبُ الْكَبِيرَةُ فَلَا يُزَوِّجُهَا الْأَبُ وَلَا الْجَدُّ وَلَا غَيْرُهُمَا إلَّا بِإِذْنِهَا، وَلَهَا أَنْ تَنْكِحَ مَنْ شَاءَتْ إذَا كَانَتْ بَالِغًا.
قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: الْحُجَّةُ فِي إجَازَةِ إنْكَاحِ الْأَبِ ابْنَتَهُ الصَّغِيرَةَ الْبِكْرَ إنْكَاحُ أَبِي بَكْرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - وَهِيَ بِنْتُ سِتِّ سِنِينَ، وَهَذَا أَمْرٌ مَشْهُورٌ غَنِيٌّ عَنْ إيرَادِ الْإِسْنَادِ فِيهِ، فَمَنْ ادَّعَى أَنَّهُ خُصُوصٌ لَمْ يُلْتَفَتْ لِقَوْلِهِ، لِقَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الآخِرَ} [الأحزاب: ٢١] فَكُلُّ مَا فَعَلَهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فَلَنَا أَنْ نَتَأَسَّى بِهِ فِيهِ، إلَّا أَنْ يَأْتِيَ نَصٌّ بِأَنَّهُ لَهُ خُصُوصٌ.
فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: فَإِنَّ هَذَا فِعْلٌ مِنْهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - وَلَيْسَ قَوْلًا، فَمِنْ أَيْنَ خَصَّصْتُمْ الْبِكْرَ دُونَ الثَّيِّبِ، وَالصَّغِيرَةَ دُونَ الْكَبِيرَةِ، وَلَيْسَ هَذَا مِنْ أُصُولِكُمْ؟
قُلْنَا: نَعَمْ، إنَّمَا اقْتَصَرْنَا عَلَى الصَّغِيرَةِ الْبِكْرِ لِلْخَبَرِ الَّذِي رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ نا ابْنُ أَبِي عُمَرَ نا سُفْيَانُ - هُوَ ابْنُ عُيَيْنَةَ - عَنْ زِيَادِ بْنِ سَعْدٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْفَضْلِ سَمِعَ نَافِعَ بْنَ جُبَيْرٍ يُخْبِرُ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ " أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «الثَّيِّبُ أَحَقُّ بِنَفْسِهَا مِنْ وَلِيِّهَا وَالْبِكْرُ يَسْتَأْذِنُهَا أَبُوهَا فِي نَفْسِهَا وَإِذْنُهَا صُمَاتُهَا» .
فَخَرَجَتْ الثَّيِّبُ صَغِيرَةً كَانَتْ أَوْ كَبِيرَةً بِعُمُومِ هَذَا الْخَبَرِ، وَخَرَجَتْ الْبِكْرُ الْبَالِغُ بِهِ أَيْضًا، لِأَنَّ الِاسْتِئْذَانَ لَا يَكُونُ إلَّا لِلْبَالِغِ الْعَاقِلِ لِلْأَثَرِ الثَّابِتِ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «رُفِعَ الْقَلَمُ عَنْ ثَلَاثٍ» فَذَكَرَ فِيهِمْ «الصَّغِيرِ حَتَّى يَبْلُغَ» فَخَرَجَ الْبِكْرُ الَّتِي لَا أَبَ لَهَا بِالنَّصِّ الْمَذْكُورِ أَيْضًا، فَلَمْ تَبْقَ إلَّا الصَّغِيرَةُ الْبِكْرُ ذَاتُ الْأَبِ فَقَطْ.
فَإِنْ قِيلَ: فَلِمَ لَمْ تُجِيزُوا إنْكَاحَ الْجَدِّ لَهَا كَالْأَبِ؟
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.app/page/contribute