فَإِنْ قَالُوا: قَدْ خَصَّ ذَلِكَ آيَاتٌ أُخَرُ؟ قُلْنَا: وَقَدْ خَصَّ الْكِتَابِيَّةَ آيَةٌ أُخْرَى.
فَإِنْ ادَّعَوْا إجْمَاعًا أَكْذَبَهُمْ قَوْلُ طَائِفَةٍ مِنْ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - فَمَنْ بَعْدَهُمْ فِي الْأُخْتَيْنِ بِمِلْكِ الْيَمِينِ - فَظَهَرَ فَسَادُ قَوْلِهِمْ - بِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.
أَمَّا نِكَاحُ الْكَافِرَةِ غَيْرِ الْكِتَابِيَّةِ: فَلَا يُخَالِفُنَا الْحَاضِرُونَ فِي أَنَّهُ لَا يَحِلُّ وَطْؤُهُنَّ بِزَوَاجٍ وَلَا بِمِلْكِ يَمِينٍ.
وَأَمَّا الْمَجُوسِيَّةُ - فَقَدْ ذَكَرْنَا فِي " كِتَابِ الْجِهَادِ " وَ " كِتَابِ التَّذْكِيَةِ " مِنْ كِتَابِنَا هَذَا أَنَّ الْمَجُوسَ أَهْلُ كِتَابٍ، وَإِذَا كَانُوا أَهْلَ كِتَابٍ فَنِكَاحُ نِسَائِهِمْ بِالزَّوَاجِ حَلَالٌ.
وَالْحُجَّةُ فِي أَنَّهُمْ أَهْلُ كِتَابٍ: قَوْلُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ: {فَإِذَا انْسَلَخَ الأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ وَاقْعُدُوا لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ} [التوبة: ٥] فَلَمْ يُبِحْ لَنَا تَرْكَ قَتْلِهِمْ إلَّا بِأَنْ يُسْلِمُوا فَقَطْ.
وَقَالَ تَعَالَى: {قَاتِلُوا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلا بِالْيَوْمِ الآخِرِ وَلا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ} [التوبة: ٢٩] فَاسْتَثْنَى اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ أَهْلَ الْكِتَابِ خَاصَّةً بِإِعْفَائِهِمْ مِنْ الْقَتْلِ بِغُرْمِ الْجِزْيَةِ مَعَ الصِّغَارِ مِنْ جُمْلَةِ سَائِرِ الْمُشْرِكِينَ الَّذِينَ لَا يَحِلُّ إعْفَاؤُهُمْ إلَّا أَنْ يُسْلِمُوا.
وَقَدْ صَحَّ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَخَذَ الْجِزْيَةَ مِنْ مَجُوسِ هَجَرَ» .
وَمِنْ الْبَاطِلِ الْمُمْتَنِعِ أَنْ يُخَالِفَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَمْرَ رَبِّهِ إلَّا لَوْ بَيَّنَ لَنَا أَنَّهُمْ غَيْرُ أَهْلِ كِتَابٍ، فَكُنَّا نَدْرِي حِينَئِذٍ أَنَّهُ فَعَلَ ذَلِكَ بِوَحْيٍ. فَإِنْ احْتَجُّوا بِمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ عَنْ سُفْيَانَ عَنْ قَيْسِ بْنِ مُسْلَمٍ عَنْ الْحَسَنِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ قَالَ «كَتَبَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - إلَى مَجُوسِ هَجَرَ يَعْرِضُ عَلَيْهِمْ الْإِسْلَامَ فَمَنْ أَسْلَمَ قُبِلَ وَمَنْ أَبَى ضُرِبَتْ عَلَيْهِ الْجِزْيَةُ عَلَى أَنْ لَا تُؤْكَلَ لَهُمْ ذَبِيحَةٌ وَلَا تُنْكَحَ لَهُمْ امْرَأَةٌ» .
فَهَذَا مُرْسَلٌ وَلَا حُجَّةَ فِي مُرْسَلٍ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.app/page/contribute