أَوْ ابْنِ عَمٍّ لَهُ فَكَاتَبَهَا فَأَتَتْ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - تَسْتَعِينُهُ فَقَالَ لَهَا - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: أَوْ خَيْرٌ مِنْ ذَلِكَ أَقْضِ عَنْكِ كِتَابَتَكِ وَأَتَزَوَّجُكِ»
قَالُوا: فَلَمْ يَذْكُرْ فِي هَذَيْنِ الْخَبَرَيْنِ إيتَاءَ مَالِ الْمُكَاتَبِ.
قَالَ عَلِيٌّ: لَا حُجَّةَ لَهُمْ فِي شَيْءٍ مِنْ هَذَا. أَمَّا خَبَرُ سَلْمَانَ فَإِنَّ مَالِكَهُ كَانَ يَهُودِيًّا غَيْرَ ذِمِّيٍّ، بَلْ مُنَابِذٌ لَا تَجْرِي عَلَيْهِ أَحْكَامُ الْإِسْلَامِ، فَلَا مُتَعَلِّقَ لَهُمْ بِهَذَا.
وَأَعْجَبُ شَيْءٍ احْتِجَاجُهُمْ بِهِ فِيمَا لَيْسَ فِيهِ لَهُ ذِكْرٌ مِنْ إيتَاءِ الْمَالِ، وَمُخَالَفَتُهُمْ لَهُ فِيمَا أَجَازَهُ فِيهِ نَصًّا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - مِنْ إحْيَاءِ ثَلَاثِمِائَةِ نَخْلَةٍ، وَأَرْبَعِينَ أُوقِيَّةً مِنْ ذَهَبٍ إلَى غَيْرِ أَجَلٍ مُسَمًّى، وَلَا مَقْبُوضَةً، وَهُمْ لَا يُجِيزُونَ شَيْئًا مِنْ هَذَا، فَسُبْحَانَ مَنْ أَطْلَقَ أَلْسِنَتَهُمْ بِهَذِهِ الْعَظَائِمِ الَّتِي يَجِبُ أَنْ يَرْدَعَ عَنْهَا الْحَيَاءُ، وَأَنْ يَرْدَعَ عَنْهَا الدِّينُ.
وَأَمَّا خَبَرُ جُوَيْرِيَةَ: فَلَيْسَ فِيهِ عَلَى مَاذَا كَاتَبَهَا، وَلَا هَلْ كَاتَبَ إلَى أَجَلٍ أَمْ إلَى غَيْرِ أَجَلٍ، فَيَلْزَمُ عَلَى هَذَا أَنْ يَكُونَ حُجَّةً فِي إجَازَةِ الْكِتَابَةِ إلَى غَيْرِ أَجَلٍ، وَكُلُّ كِتَابَةٍ أَفْسَدُوهَا إذْ لَمْ يَذْكُرُوا فِيهَا إيتَاءَ الْمَالِ، فَلَيْسَ فِيهِ: أَنَّهَا لَمْ تُؤْتِ الْمَالَ، فَلَا مُتَعَلِّقَ لَهُمْ بِهِ، فَكَيْفَ وَهِيَ كِتَابَةٌ لَمْ تَتِمَّ بِلَا شَكٍّ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَقُلْ أَحَدٌ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ: أَنَّ جُوَيْرِيَةَ أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ كَانَتْ مَوْلَاةً لِثَابِتٍ، وَلَا لِابْنِ عَمِّهِ، بَلْ قَدْ صَحَّ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - أَعْتَقَهَا وَتَزَوَّجَهَا وَجَعَلَ عِتْقَهَا صَدَاقَهَا» .
فَبَطَلَ كُلُّ مَا مَوَّهُوا بِهِ - وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ.
وَقَالُوا: لَوْ كَانَ فَرْضًا لَكَانَ مَحْدُودَ الْقَدْرِ.
قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: فَقُلْنَا: مِنْ أَيْنَ قُلْتُمْ هَذَا؟ وَمَا الْمَانِعُ مِنْ أَنْ يَفْرِضَ اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْنَا عَطَاءً يَكِلُهُ إلَى اخْتِيَارِنَا؟ وَأَيُّ شَيْءٍ أَعْطَيْنَاهُ كُنَّا قَدْ أَدَّيْنَا مَا عَلَيْنَا.
وَهَلَّا قُلْتُمْ هَذَا فِي الْمُتْعَةِ الَّتِي رَآهَا الْحَنَفِيُّونَ، وَالشَّافِعِيُّونَ فَرْضًا - وَهِيَ غَيْرُ مَحْدُودَةِ الْقَدْرِ؟ وَهَلَّا قَالَ هَذَا الْمَالِكِيُّونَ فِي الْخَرَاجِ الْمَضْرُوبِ عَلَى الْأَرْضِ الْمُفْتَتَحَةِ عَنْوَةً - وَهُوَ عِنْدَهُمْ فَرْضٌ غَيْرُ مَحْدُودِ الْقَدْرِ؟
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.app/page/contribute