للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قُلْنَا أَمَّا الرِّوَايَةُ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ فَسَاقِطَةٌ لِأَنَّهَا مِنْ طَرِيقِ الْحَسَنِ بْنِ عُمَارَةَ وَهُوَ هَالِكٌ وَعَنْ رَجُلٍ لَمْ يُسَمَّ.

وَأَمَّا الرِّوَايَةُ عَنْ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ فَإِنَّمَا هِيَ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ، وَقَتَادَةُ لَمْ يُولَدْ إلَّا بَعْدَ مَوْتِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ، وَالرِّوَايَةُ فِي ذَلِكَ عَنْ عَلِيٍّ وَابْنِ عُمَرَ أَيْضًا لَا تَصِحُّ، وَلَوْ صَحَّتْ لَمَا كَانَ فِي ذَلِكَ حُجَّةٌ، إذْ لَيْسَ فِي قَوْلِ أَحَدٍ حُجَّةٌ دُونَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.

وَأَيْضًا فَإِنَّ تَقْسِيمَ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ وَأَبِي ثَوْرٍ لَمْ يُرْوَ عَنْ أَحَدٍ مِمَّنْ ذَكَرْنَا، فَهُمْ مُخَالِفُونَ الصَّحَابَةَ الْمَذْكُورِينَ فِي كُلِّ ذَلِكَ، وَأَيْضًا فَقَدْ رُوِيَ نَحْوُ قَوْلِنَا عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَيْضًا، فَصَحَّ قَوْلُنَا وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيقُ.

وَقَدْ قَالَ بَعْضُهُمْ: لَمَّا قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ} [المائدة: ٦] إلَى قَوْلِهِ: {فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا} [المائدة: ٦] قَالَ فَأَوْجَبَ عَزَّ وَجَلَّ الْوُضُوءَ عَلَى كُلِّ قَائِمٍ إلَى الصَّلَاةِ، فَلَمَّا صَلَّى النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الصَّلَوَاتِ بِوُضُوءٍ وَاحِدٍ خَرَجَ الْوُضُوءُ بِذَلِكَ عَنْ حُكْمِ الْآيَةِ، وَبَقِيَ التَّيَمُّمُ عَلَى وُجُوبِهِ عَلَى كُلِّ قَائِمٍ لِلصَّلَاةِ.

قَالَ عَلِيٌّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: وَهَذَا لَيْسَ كَمَا قَالُوا، لَا سِيَّمَا الْمَالِكِيِّينَ وَالشَّافِعِيِّينَ الْمُبِيحِينَ لِلْقِيَامِ إلَى صَلَاةِ النَّافِلَةِ بَعْدَ الْفَرِيضَةِ بِغَيْرِ إحْدَاثِ تَيَمُّمٍ وَلَا إحْدَاثِ طَلَبٍ لِلْمَاءِ، فَلَا مُتَعَلَّقَ لِهَاتَيْنِ الطَّائِفَتَيْنِ بِشَيْءٍ مِمَّا ذَكَرْنَا فِي هَذَا الْبَابِ، وَإِنَّمَا الْكَلَامُ بَيْنَنَا وَبَيْنَ مَنْ قَالَ بِقَوْلِ شَرِيكٍ، فَنَقُولُ وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيقُ: إنَّ الْآيَةَ لَا تُوجِبُ شَيْئًا مِمَّا ذَكَرْتُمْ، وَلَوْ أَوْجَبَتْ ذَلِكَ لَأَوْجَبَتْ غُسْلَ الْجَنَابَةِ عَلَى كُلِّ قَائِمٍ إلَى الصَّلَاةِ أَبَدًا، وَإِنَّمَا حُكْمُ الْآيَةِ فِي إيجَابِ اللَّهِ تَعَالَى الْوُضُوءَ وَالتَّيَمُّمَ وَالْغُسْلَ إنَّمَا هُوَ عَلَى الْمُجْنِبِينَ وَالْمُحْدِثِينَ فَقَطْ، بِنَصِّ آخِرِ الْآيَةِ الْمُبَيِّنِ لِأَوَّلِهَا، لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى فِيهَا: {وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ أَوْ لامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا} [المائدة: ٦] وَلَا يَخْتَلِفُ اثْنَانِ مِنْ الْأُمَّةِ فِي أَنَّ هَهُنَا حَذْفًا دَلَّ عَلَيْهِ الْعَطْفُ وَإِنَّ مَعْنَى الْآيَةِ: وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَأَحْدَثْتُمْ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنْ الْغَائِطِ، فَبَطَلَ مَا شَغَبُوا بِهِ.

بَلْ لَوْ قَالَ قَائِلٌ إنَّ حُكْمَ تَجْدِيدِ الطَّهَارَةِ عِنْدَ الْقِيَامِ إلَى الصَّلَاةِ إنَّمَا هُوَ بِنَصِّ الْآيَةِ إنَّمَا هُوَ عَلَى مَنْ حُكْمُهُ الْوُضُوءُ لَا عَلَى مَنْ حُكْمُهُ التَّيَمُّمُ، لَكَانَ أَحَقَّ بِظَاهِرِ الْآيَةِ

<<  <  ج: ص:  >  >>