فَهَذَانِ حَدِيثَانِ صَحِيحَانِ إلَّا أَنَّهُمَا لَا حُجَّةَ لَهُمْ فِيهِمَا؛ لِأَنَّ اسْمَ " الطَّعَامِ " لَا يَقَعُ كَمَا قُلْنَا عِنْدَ الْعَرَبِ مُطْلَقًا إلَّا عَلَى الْبُرِّ فَقَطْ، كَمَا ذَكَرْنَا عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ آنِفًا.
فَإِنْ قِيلَ: فَقَدْ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ {وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلٌّ لَهُمْ} [المائدة: ٥] فَأَرَادَ تَعَالَى ذَبَائِحَنَا وَذَبَائِحَهُمْ.
وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لَا صَلَاةَ بِحَضْرَةِ طَعَامٍ» ؟
قُلْنَا: لَا نَمْنَعُ مِنْ وُقُوعِ اسْمِ " الطَّعَامِ " عَلَى غَيْرِ الْبُرِّ بِإِضَافَةٍ أَوْ بِدَلِيلٍ مِنْ النَّصِّ عَلَى أَنَّ هَذَا الِاحْتِجَاجَ هُوَ عَلَى الشَّافِعِيِّينَ لَا لَهُمْ؛ لِأَنَّهُمْ لَا يَخْتَلِفُونَ فِي أَحَدِ قَوْلَيْهِمْ: إنَّ ذَبَائِحَ أَهْلِ الْكِتَابِ وَذَبَائِحَنَا جَائِزٌ بَعْضُهَا بِبَعْضٍ مُتَفَاضِلًا، وَفِي قَوْلِهِمْ الثَّانِي: أَنَّهُ لَا يَجُوزُ بَيْعُ شَيْءٍ مِنْهَا بِشَيْءٍ أَصْلًا حَتَّى يَيْبَسَ.
وَهَذَانِ الْقَوْلَانِ مُخَالِفَانِ لِاحْتِجَاجِهِمْ بِإِطْلَاقِ اسْمِ الطَّعَامِ عَلَى اللُّحُومِ وَغَيْرِهَا.
قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَهَذَانِ الْخَبَرَانِ مُخَالِفَانِ لِقَوْلِ مَالِكٍ، وَأَبِي حَنِيفَةَ، جُمْلَةً إنْ حَمَلَاهُمَا عَلَى أَنَّ " الطَّعَامَ " وَاقِعٌ عَلَى كُلِّ مَا يُؤْكَلُ مُبْطِلَانِ لِقَوْلِهِمَا فِي الرِّبَا.
وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.
وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي سَعِيدٍ فَكَمَا قُلْنَا، وَيَبْطُلُ أَيْضًا احْتِجَاجُهُمْ بِهِ بِأَنَّهُ قَدْ رَوَاهُ عَنْ ابْنِ إِسْحَاقَ مَنْ هُوَ أَضْبَطُ وَأَحْفَظُ مِنْ ابْنِ فُضَيْلٍ: قُتَيْبَةُ، كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ أَنَا ابْنُ نُمَيْرٍ - هُوَ عَبْدُ اللَّهِ - أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ عَنْ يَزِيدَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ قُسَيْطٍ عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ " قَالَ: «قَسَمَ فِينَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - طَعَامًا مِنْ التَّمْرِ مُخْتَلِفًا بَعْضُهُ أَفْضَلُ مِنْ بَعْضٍ، فَذَهَبْنَا نَتَزَايَدُ فِيهِ فَنَهَانَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلَّا كَيْلًا بِكَيْلٍ» فَبَطَلَ تَعَلُّقُهُمْ بِذَلِكَ.
وَأَيْضًا: فَإِنَّهُ لَا خِلَافَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ فِي أَنَّ ذَلِكَ الطَّعَامَ الَّذِي فَرَّقَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَيْنَهُمْ إنَّمَا كَانَ صِنْفًا وَاحِدًا: إمَّا تَمْرًا، أَوْ بُرًّا، أَوْ غَيْرَ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ فِيهِ نَهْيَهُمْ عَنْ أَنْ يَبِيعُوهُ بَعْضَهُ بِبَعْضٍ بِزِيَادَةٍ، هَذَا مَا لَا شَكَّ فِيهِ.
فَإِذْ هُوَ كَذَلِكَ فَتَسْمِيَتُهُ بِالطَّعَامِ مِنْ قَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَيُمْكِنُ لَهُمْ أَنْ يُنَازِعُونَا فِي
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.app/page/contribute