قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: رَامَ هَؤُلَاءِ أَنْ يَجْعَلُوا كُلَّ مَا فِي خَبَرِ الْمُغِيرَةِ حِكَايَةً عَنْ وُضُوءِ وَاحِدٍ وَهَذَا كَذِبٌ وَجَرْأَةٌ عَلَى الْبَاطِلِ، بَلْ هُوَ خَبَرٌ عَنْ عَمَلَيْنِ مُتَغَايِرَيْنِ، هَذَا ظَاهِرُ الْحَدِيثِ وَمُقْتَضَاهُ، وَكَيْفَ قَدْ رَوَاهُ جَمَاعَةٌ غَيْرُ الْمُغِيرَةِ: وَقَالَ بَعْضُهُمْ أَخْطَأَ الْأَوْزَاعِيُّ فِي حَدِيثِ عَمْرِو بْنِ أُمَيَّةَ، لِأَنَّ هَذَا خَبَرٌ رَوَاهُ - عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ شَيْبَانُ وَحَرْبُ بْنُ شَدَّادٍ وَبَكْرُ بْنُ نَضْرٍ وَأَبَانُ الْعَطَّارُ وَعَلِيُّ بْنُ الْمُبَارَكِ، فَلَمْ يَذْكُرُوا فِيهِ الْمَسْحَ عَلَى الْعِمَامَةِ.
قَالَ عَلِيٌّ: فَقُلْنَا لَهُمْ فَكَانَ مَاذَا؟ قَدْ عَلِمَ كُلُّ ذِي عِلْمٍ بِالْحَدِيثِ أَنَّ الْأَوْزَاعِيَّ أَحْفَظُ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ هَؤُلَاءِ، وَهُوَ حُجَّةٌ عَلَيْهِمْ، وَلَيْسُوا حُجَّةً عَلَيْهِ، وَالْأَوْزَاعِيُّ ثِقَةٌ، وَزِيَادَةُ الثِّقَةِ لَا يَحِلُّ رَدُّهَا، وَمَا الْفَرْقُ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ مَنْ قَالَ فِي كُلِّ خَبَرٍ احْتَجَجْتُمْ بِهِ: إنَّ رَاوِيَهُ أَخْطَأَ فِيهِ، لِأَنَّ فُلَانًا وَفُلَانًا لَمْ يَرْوِ هَذَا الْخَبَرَ؟
وَقَالَ بَعْضُهُمْ: لَا يَجُوزُ الْمَسْحُ عَلَى الْعِمَامَةِ كَمَا لَا يَجُوزُ الْمَسْحُ عَلَى الْقُفَّازَيْنِ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَهَذَا قِيَاسٌ، وَالْقِيَاسُ كُلُّهُ بَاطِلٌ، ثُمَّ لَوْ كَانَ حَقًّا لَكَانَ هَذَا مِنْهُ عَيْنَ الْبَاطِلِ، لِأَنَّهُمْ يُعَارَضُونَ فِيهِ، فَيُقَالُ لَهُمْ إنْ كَانَ هَذَا الْقِيَاسُ عِنْدَكُمْ صَحِيحًا فَأَبْطِلُوا بِهِ الْمَسْحَ عَلَى الْخُفَّيْنِ؟ لِأَنَّ الرِّجْلَيْنِ بِالْيَدَيْنِ أَشْبَهُ مِنْهُمَا بِالرَّأْسِ، فَقُولُوا: كَمَا لَا يَجُوزُ الْمَسْحُ عَلَى الْقُفَّازَيْنِ كَذَلِكَ لَا يَجُوزُ الْمَسْحُ عَلَى الْخُفَّيْنِ وَلَا فَرْقَ.
فَإِنْ قَالُوا: قَدْ صَحَّ الْمَسْحُ عَلَى الْخُفَّيْنِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، قِيلَ لَهُمْ: وَقَدْ صَحَّ الْمَسْحُ عَلَى الْعِمَامَةِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. وَيُعَارَضُونَ أَيْضًا بِأَنْ يُقَالَ لَهُمْ: إنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَرَنَ الرُّءُوسَ بِالْأَرْجُلِ فِي الْوُضُوءِ وَأَنْتُمْ تُجِيزُونَ الْمَسْحَ عَلَى الْخُفَّيْنِ فَأَجِيزُوا الْمَسْحَ عَلَى الْعِمَامَةِ، لِأَنَّهُمَا جَمِيعًا عُضْوَانِ يَسْقُطَانِ فِي التَّيَمُّمِ، وَلِأَنَّهُ لَمَّا جَازَ تَعْوِيضُ الْمَسْحِ عِنْدَكُمْ مِنْ غَسْلِ الرَّجُلَيْنِ فَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ يَجُوزُ تَعْوِيضُ الْمَسْحِ مِنْ الْمَسْحِ فِي الْعِمَامَةِ عَلَى الرَّأْسِ أَوْلَى، وَلِأَنَّ الرَّأْسَ طَرَفٌ، وَالرِّجْلَانِ طَرَفٌ، وَأَيْضًا فَقَدْ صَحَّ تَعْوِيضُ الْمَسْحِ مِنْ جَمِيعِ أَعْضَاءِ الْوُضُوءِ فَعُوِّضَ الْمَسْحُ بِالتُّرَابِ فِي الْوَجْهِ وَالذِّرَاعَيْنِ مِنْ غَسْلِ كُلِّ ذَلِكَ، وَعُوِّضَ الْمَسْحُ عَلَى الْخُفَّيْنِ مِنْ غَسْلِ الرِّجْلَيْنِ، فَوَجَبَ أَيْضًا أَنْ يَجُوزَ تَعْوِيضُ الْمَسْحِ عَلَى الْعِمَامَةِ مِنْ الْمَسْحِ عَلَى الرَّأْسِ، لِتَتَّفِقَ أَحْكَامُ جَمِيعِ أَعْضَاءِ الْوُضُوءِ فِي ذَلِكَ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.app/page/contribute