مَعْدِنٍ فَخُذْهَا فَهِيَ صَدَقَةٌ، مَا أَمْلِكُ غَيْرَهَا؟ فَأَعْرَضَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْهُ مِرَارًا - وَهُوَ يُرَدِّدُ كَلَامَهُ هَذَا - ثُمَّ أَخَذَهَا - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فَحَذَفَهُ بِهَا، فَلَوْ أَنَّهَا أَصَابَتْهُ لَأَوْجَعَتْهُ أَوْ لَعَقَرَتْهُ وَقَالَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: يَأْتِي أَحَدُكُمْ بِمَا يَمْلِكُ فَيَقُولُ: هَذِهِ صَدَقَةٌ ثُمَّ يَقْعُدُ فَيَتَكَفَّفُ النَّاسَ خَيْرُ الصَّدَقَةِ مَا كَانَ عَنْ ظَهْرِ غِنًى» .
وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ إدْرِيسَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ بِإِسْنَادِهِ نَحْوُهُ، وَفِي آخِرِهِ: أَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - قَالَ: «خُذْ عَنَّا مَالَكَ، لَا حَاجَةَ لَنَا بِهِ» .
وَمِنْ طَرِيقِ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ بْنِ عَجْلَانَ عَنْ عِيَاضِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَعْدٍ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ يَقُولُ: «دَخَلَ رَجُلٌ الْمَسْجِدَ فَأَمَرَ رَسُولُ اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - النَّاسَ أَنْ يَطْرَحُوا ثِيَابًا فَطَرَحُوا فَأَمَرَ لَهُ مِنْهَا بِثَوْبَيْنِ، ثُمَّ حَثَّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - عَلَى الصَّدَقَةِ فَطَرَحَ الرَّجُلُ أَحَدَ الثَّوْبَيْنِ فَصَاحَ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - وَقَالَ خُذْ ثَوْبَكَ» .
وَمِنْ طَرِيقِ حَكِيمِ بْنِ حِزَامٍ، عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ -: «أَفْضَلُ الصَّدَقَةِ مَا كَانَ عَنْ ظَهْرِ غِنًى» .
فَهَذِهِ آثَارٌ مُتَوَاتِرَةٌ مُتَظَاهِرَةٌ بِإِبْطَالِ الصَّدَقَةِ بِمَا زَادَ عَلَى مَا يُبْقِي غِنًى، وَإِذَا كَانَ الصَّدَقَةُ بِمَا أَبْقَى غِنًى خَيْرًا وَأَفْضَلَ مِنْ الصَّدَقَةِ بِمَا لَا يُبْقِي غِنًى؛ فَبِالضَّرُورَةِ يَدْرِي كُلُّ أَحَدٍ أَنَّ صَدَقَتَهُ بِتِلْكَ الزِّيَادَةِ لَا أَجْرَ لَهُ فِيهَا، بَلْ حَطَّتْ مِنْ أَجْرِهِ فَهِيَ غَيْرُ مَقْبُولَةٍ، وَمَا تَيَقَّنَ أَنَّهُ يَحُطُّ مِنْ الْأَجْرِ، أَوْ لَا أَجْرَ فِيهِ مِنْ إعْطَاءِ الْمَالِ فَلَا يَحِلُّ إعْطَاؤُهُ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ إفْسَادٌ لِلْمَالِ وَإِضَاعَةٌ لَهُ وَسَرَفٌ حَرَامٌ، فَكَيْفَ وَرَدُّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - الصَّدَقَةَ بِذَلِكَ بَيَانٌ كَافٍ؟ فَإِنْ ذَكَرُوا قَوْلَ اللَّهِ تَعَالَى {وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ} [الحشر: ٩] .
وَقَوْلَهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - إذْ سُئِلَ «أَيُّ الصَّدَقَةِ أَفْضَلُ؟ فَقَالَ: جَهْدُ الْمُقِلِّ» .
وَقَوْلَهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «سَبَقَ دِرْهَمٌ مِائَةَ أَلْفٍ كَانَ لِرَجُلٍ دِرْهَمَانِ تَصَدَّقَ بِأَجْوَدِهِمَا» .
وَبِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَالَّذِينَ لا يَجِدُونَ إِلا جُهْدَهُمْ فَيَسْخَرُونَ مِنْهُمْ سَخِرَ اللَّهُ مِنْهُمْ} [التوبة: ٧٩] .
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.app/page/contribute