للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: أَمَّا قَوْلُ مَالِكٍ فَخَطَأٌ، لِأَنَّهُ خِلَافٌ لِلْحَدِيثِ الْوَارِدِ فِي ذَلِكَ، وَالْعَجَبُ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ بِالْمُنْقَطِعِ مِنْ الْخَبَرِ إذَا وَافَقَهُمْ، وَهَهُنَا مُنْقَطِعٌ أَحْسَنُ مِنْ كُلِّ مَا أَخَذُوا بِهِ، وَهُوَ مَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ وَمُوسَى بْنُ مُعَاوِيَةَ عَنْ وَكِيعٍ عَنْ الْأَعْمَشِ عَنْ حَبِيبِ بْنِ أَبِي ثَابِتٍ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ «جَاءَتْ فَاطِمَةُ بِنْتُ أَبِي حُبَيْشٍ إلَى رَسُولِ اللَّهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فَقَالَتْ: إنِّي أُسْتَحَاضُ فَلَا أَطْهُرُ أَفَأَدَعُ الصَّلَاةَ؟ قَالَ لَا، إنَّمَا ذَلِكَ عِرْقٌ وَلَيْسَ بِالْحَيْضَةِ، فَاجْتَنِبِي الصَّلَاةَ أَيَّامَ مَحِيضِكِ ثُمَّ اغْتَسِلِي وَتَوَضَّئِي لِكُلِّ صَلَاةٍ وَصَلِّي، وَإِنْ قَطَرَ الدَّمُ عَلَى الْحَصِيرِ» .

قَالَ: قَالُوا هَذَا عَلَى النَّدْبِ، قِيلَ لَهُمْ: وَكُلُّ مَا أَوْجَبْتُمُوهُ مِنَّا لِاسْتِطْهَارٍ وَغَيْرِ ذَلِكَ لَعَلَّهُ نَدْبٌ، وَلَا فَرْقَ، وَهَذَا قَوْلٌ يُؤَدِّي إلَى إبْطَالِ الشَّرَائِعِ كُلِّهَا مَعَ خِلَافِهِ لِأَمْرِ اللَّهِ تَعَالَى فِي قَوْلِهِ: {فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} [النور: ٦٣] وَمَا نَعْلَمُ لَهُمْ مُتَعَلَّقًا فِي قَوْلِهِمْ هَذَا، لَا بِقُرْآنٍ وَلَا بِسُنَّةٍ وَلَا بِدَلِيلٍ وَلَا بِقَوْلِ صَاحِبٍ وَلَا بِقِيَاسٍ. وَأَمَّا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ فَفَاسِدٌ أَيْضًا لِأَنَّهُ مُخَالِفٌ لِلْخَبَرِ الَّذِي تَعَلَّقَ بِهِ، وَمُخَالِفٌ لِلْمَعْقُولِ وَلِلْقِيَاسِ، وَمَا وَجَدْنَا قَطُّ طَهَارَةً تَنْتَقِضُ بِخُرُوجِ وَقْتٍ وَتَصِحُّ بِكَوْنِ الْوَقْتِ قَائِمًا، وَمَوَّهَ بَعْضُهُمْ فِي هَذَا بِأَنْ قَالُوا: قَدْ وَجَدْنَا الْمَاسِحَ فِي السَّفَرِ وَالْحَضَرِ تَنْتَقِضُ طَهَارَتُهُمَا بِخُرُوجِ الْوَقْتِ الْمَحْدُودِ لَهُمَا فَنَقِيسُ عَلَيْهِمَا الْمُسْتَحَاضَةَ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: الْقِيَاسُ كُلُّهُ بَاطِلٌ، ثُمَّ لَوْ كَانَ حَقًّا لَكَانَ هَذَا مِنْهُ عَيْنَ الْبَاطِلِ؛ لِأَنَّهُ قِيَاسٌ خَطَأٌ وَعَلَى خَطَإٍ، وَمَا انْتَقَضَتْ قَطُّ طَهَارَةُ الْمَاسِحِ بِانْقِضَاءِ الْأَمَدِ الْمَذْكُورِ بَلْ هُوَ طَاهِرٌ كَمَا كَانَ، وَيُصَلِّي مَا لَمْ يَنْتَقِضْ وُضُوءُهُ بِحَدَثٍ مِنْ الْأَحْدَاثِ، وَإِنَّمَا جَاءَتْ السُّنَّةُ بِمَنْعِهِ مِنْ الِابْتِدَاءِ لِلْمَسْحِ فَقَطْ، لَا بِانْتِقَاضِ طَهَارَتِهِ، ثُمَّ لَوْ صَحَّ لَهُمْ مَا ذَكَرُوا فِي الْمَاسِحِ - وَهُوَ لَا يَصِحُّ - لَكَانَ قِيَاسُهُمْ هَذَا بَاطِلًا لِأَنَّهُمْ قَاسُوا خُرُوجَ وَقْتِ كُلِّ صَلَاةٍ فِي السَّفَرِ وَالْحَضَرِ عَلَى انْقِضَاءِ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ فِي الْحَضَرِ، وَعَلَى انْقِضَاءِ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ بِلَيَالِيِهِنَّ فِي السَّفَرِ. وَهَذَا قِيَاسٌ سَخِيفٌ جِدًّا، وَإِنَّمَا كَانُوا يَكُونُونَ قَائِسِينَ عَلَى مَا ذَكَرُوا لَوْ جَعَلُوا الْمُسْتَحَاضَةَ تَبْقَى بِوُضُوئِهَا يَوْمًا وَلَيْلَةً فِي الْحَضَرِ، وَثَلَاثَةً فِي السَّفَرِ، وَلَوْ فَعَلُوا هَذَا لَوَجَدُوا فِيمَا يُشْبِهُ بَعْضَ ذَلِكَ سَلَفًا، وَهُوَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ وَسَالِمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ وَالْقَاسِمُ بْنُ مُحَمَّدٍ، فَقَدْ صَحَّ عَنْهُمْ أَنَّهَا تَغْتَسِلُ مِنْ الظُّهْرِ إلَى الظُّهْرِ، وَأَمَّا قَوْلُهُمْ هَذَا

<<  <  ج: ص:  >  >>