وَصَحَّ أَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أَخَذَ الْجِزْيَةَ مِنْ مَجُوسِ هَجْرٍ؛ فَصَحَّ أَنَّهُمْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ، وَلَوْلَا ذَلِكَ مَا خَالَفَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كِتَابَ رَبِّهِ تَعَالَى.
فَإِنْ ذَكَرُوا مَا رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ قَوْلِهِ: «إنَّمَا أُرِيدُهُمْ عَلَى كَلِمَةٍ تَدِينُ لَهُمْ بِهَا الْعَرَبُ ثُمَّ تُؤَدِّي إلَيْهَا الْعَجَمُ الْجِزْيَةَ» فَلَا حُجَّةَ لَهُمْ فِي هَذَا؛ لِأَنَّهُمْ لَا يَخْتَلِفُونَ فِي أَنَّ أَهْلَ الْكِتَابِ مِنْ الْعَرَبِ يُؤَدُّونَ الْجِزْيَةَ، وَأَنَّ مَنْ أَسْلَمَ مِنْ الْعَجَمِ لَا يُؤَدِّي الْجِزْيَةَ.
فَصَحَّ أَنَّ هَذَا الْخَبَرَ لَيْسَ عَلَى عُمُومِهِ، وَأَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - إنَّمَا عَنَى بِأَدَاءِ الْجِزْيَةِ بَعْضَ الْعَجَمِ لَا كُلَّهُمْ، وَبَيَّنَ تَعَالَى مَنْ هُمْ، وَأَنَّهُمْ أَهْلُ الْكِتَابِ فَقَطْ.
وَالْعَجَبُ كُلُّهُ أَنَّهُمْ جَعَلُوا قَوْلَ اللَّهِ تَعَالَى: {فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاءً} [محمد: ٤] مَنْسُوخًا بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ} [التوبة: ٥] وَلَمْ يَجْعَلُوا ذَلِكَ مُبَيِّنًا لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «تُؤَدِّي إلَيْكُمْ الْجِزْيَةَ» وَلَوْ قَلَبُوا لَأَصَابُوا وَهَذَا تَحَكُّمٌ بِالْبَاطِلِ.
وَقَالُوا: قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {لا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ} [البقرة: ٢٥٦] ؟ فَقُلْنَا: أَنْتُمْ أَوَّلُ مَنْ يَقُولُ: إنَّ الْعَرَبَ الْوَثَنِيِّينَ يُكْرَهُونَ عَلَى الْإِسْلَامِ، وَإِنَّ الْمُرْتَدَّ يُكْرَهُ عَلَى الْإِسْلَامِ.
وَقَدْ صَحَّ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَكْرَهَ مُشْرِكِي الْعَرَبِ عَلَى الْإِسْلَامِ، فَصَحَّ أَنَّ [هَذِهِ] الْآيَةَ لَيْسَتْ عَلَى ظَاهِرِهَا وَإِنَّمَا هِيَ فِيمَنْ نَهَانَا اللَّهُ تَعَالَى أَنْ نُكْرِهَهُ، وَهُمْ أَهْلُ الْكِتَابِ خَاصَّةً - وَقَوْلُنَا هَذَا هُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ، وَأَبِي سُلَيْمَانَ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.
٩٥٩ - مَسْأَلَةٌ:
وَالصَّغَارُ هُوَ أَنْ يَجْرِيَ حُكْمُ الْإِسْلَامِ عَلَيْهِمْ، وَأَنْ لَا يُظْهِرُوا شَيْئًا مِنْ كُفْرِهِمْ، وَلَا مِمَّا يُحَرَّمُ فِي دِينِ الْإِسْلَامِ قَالَ عَزَّ وَجَلَّ: {وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ} [الأنفال: ٣٩] وَبَنُو تَغْلِبَ وَغَيْرُهُمْ سَوَاءٌ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى وَرَسُولَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يُفَرِّقَا بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ، وَيَجْمَعُ الصَّغَارَ شُرُوطُ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عَلَيْهِمْ. نَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ عَبْدِ الْوَارِثِ نَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عُمَرَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ النَّحَّاسِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.app/page/contribute