للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَهَذَا خَطَأٌ، لِأَنَّهُ دَعْوًى بِلَا بُرْهَانٍ وَإِحَالَةُ اللَّفْظِ عَنْ مَوْضُوعِهِ بِلَا دَلِيلٍ. وَقَدْ أَوْرَدَنَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَمَرَ بِهَا وَأَمْرُهُ فَرْضٌ، قَالَ تَعَالَى: {فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} [النور: ٦٣]

وَذَكَرُوا خَبَرًا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ قَيْسِ بْنِ سَعْدٍ «أَمَرَنَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِصَدَقَةِ الْفِطْرِ قَبْلَ أَنْ تَنْزِلَ الزَّكَاةُ، فَلَمَّا نَزَلَتْ الزَّكَاةُ لَمْ يَأْمُرْنَا وَلَمْ يَنْهَنَا، وَنَحْنُ نَفْعَلُهُ»

وَعَنْهُ أَيْضًا «كُنَّا نَصُومُ عَاشُورَاءَ وَنُعْطِي الْفِطْرَ مَا لَمْ يَنْزِلْ عَلَيْنَا صَوْمُ رَمَضَانَ وَالزَّكَاةُ، فَلَمَّا نَزَلَا لَمْ نُؤْمَرْ وَلَمْ نُنْهَ عَنْهُ، وَنَحْنُ نَفْعَلُهُ»

وَقَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ وَهَذَا الْخَبَرُ حُجَّةٌ لَنَا عَلَيْهِمْ لِأَنَّ فِيهِ أَمْرَ رَسُولُ اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِزَكَاةِ الْفِطْرِ، فَصَارَ أَمْرًا مُفْتَرَضًا ثُمَّ لَمْ يَنْهَ عَنْهُ فَبَقِيَ فَرْضًا كَمَا كَانَ، وَأَمَّا يَوْمُ عَاشُورَاءَ فَلَوْلَا أَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - صَحَّ أَنَّهُ قَالَ بَعْدَ ذَلِكَ: «مَنْ شَاءَ صَامَهُ وَمَنْ شَاءَ تَرَكَهُ» لَكَانَ فَرْضُهُ بَاقِيًا، وَلَمْ يَأْتِ مِثْلُ هَذَا الْقَوْلِ فِي زَكَاةِ الْفِطْرِ؛ فَبَطَلَ تَعَلُّقُهُمْ بِهَذَا الْخَبَرِ، وَقَدْ قَالَ تَعَالَى: {وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ} [البقرة: ٤٣]

وَقَدْ سَمَّى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - زَكَاةَ الْفِطْرِ: زَكَاةً، فَهِيَ دَاخِلَةٌ فِي أَمْرِ اللَّهِ تَعَالَى بِهَا، وَالدَّلَائِلُ عَلَى هَذَا تَكْثُرُ جِدًّا؟ وَرُوِّينَا عَنْ وَكِيعٍ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ عَاصِمِ بْنِ سُلَيْمَانَ الْأَحْوَلِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ، وَأَبِي قِلَابَةَ قَالَا جَمِيعًا: زَكَاةُ الْفِطْرِ فَرِيضَةٌ، وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ، وَأَبِي سُلَيْمَانَ، وَغَيْرِهِمَا. وَأَجَازَ قَوْمٌ أَشْيَاءَ غَيْرَ مَا أَمَرَ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ قَوْمٌ: يُجْزِئُ فِيهَا الْقَمْحُ وَقَالَ آخَرُونَ: وَالزَّبِيبُ، وَالْأَقِطُ.

<<  <  ج: ص:  >  >>