الدِّينَارُ لَا يُسَاوِي إلَّا أَقَلَّ مِنْ عَشَرَةِ دَرَاهِمَ - وَجَبَ أَنْ يُخْرِجَ أَكْثَرَ مِنْ عَشْرَةِ دَرَاهِمَ عَنْ مِائَتَيْ دِرْهَمٍ، وَهَذَا بَاطِلٌ بِإِجْمَاعٍ؟ فَإِنْ قَالُوا: إنَّكُمْ تَجْمَعُونَ بَيْنَ الضَّأْنِ وَالْمَاعِزِ فِي الزَّكَاةِ، وَهُمَا نَوْعَانِ مُخْتَلِفَانِ؟ قُلْنَا نَعَمْ، لِأَنَّ الزَّكَاةَ جَاءَتْ فِيهِمَا بِاسْمٍ يَجْمَعُهُمَا، وَهُوَ لَفْظُ " الْغَنَمِ " " وَالشَّاءِ " وَلَمْ تَأْتِ الزَّكَاةُ فِي الذَّهَبِ، وَالْفِضَّةِ بِلَفْظٍ يَجْمَعُهُمَا وَلَوْ لَمْ تَأْتِ الزَّكَاةُ فِي الضَّأْنِ إلَّا بِاسْمِ " الضَّأْنِ " وَلَا فِي الْمَاعِزِ إلَّا بِاسْمِ " الْمَاعِزِ " لَمَا جَمَعْنَا بَيْنَهُمَا، كَمَا لَمْ نَجْمَعْ بَيْنَ الْبَقَرِ، وَالْإِبِلِ وَلَوْ جَاءَتْ الزَّكَاةُ فِي الذَّهَبِ، وَالْفِضَّةِ بِلَفْظٍ وَاسْمٍ جَمَعَ بَيْنَهُمَا لَجَمَعْنَا بَيْنَهُمَا؟ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَهُمْ مُجْمِعُونَ عَلَى أَنَّ الذَّهَبَ غَيْرُ الْفِضَّةِ، وَأَنَّهُ يَجُوزُ بَيْعُ دِرْهَمٍ مِنْ أَحَدِهِمَا بِمِائَةٍ مِنْ الْآخَرِ، وَأَنَّ أَحَدَهُمَا حَلَالٌ لِلنِّسَاءِ وَالرِّجَالِ، وَالْآخَرَ حَلَالٌ لِلنِّسَاءِ حَرَامٌ عَلَى الرِّجَالِ، وَهُمْ مُقِرُّونَ أَنَّ الزَّكَاةَ لَا تَجِبُ فِي أَقَلَّ مِنْ مِائَتَيْ دِرْهَمٍ، وَلَا فِي أَقَلَّ مِنْ عِشْرِينَ دِينَارًا ثُمَّ يُوجِبُونَهَا فِي عَشْرَةِ دَنَانِيرَ وَمِائَةِ دِرْهَمٍ وَهَذَا تَنَاقُضٌ لَا خَفَاءَ بِهِ؟ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَحُجَّتُنَا فِي أَنَّهُ لَا يَحِلُّ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا فِي الزَّكَاةِ هُوَ قَوْلُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لَيْسَ فِيمَا دُونَ خَمْسِ أَوَاقٍ مِنْ الْوَرِقِ صَدَقَةٌ» فَكَانَ مَنْ جَمَعَ بَيْنَ الذَّهَبِ، وَالْفِضَّةِ قَدْ أَوْجَبَ الزَّكَاةَ فِي أَقَلَّ مِنْ خَمْسِ أَوَاقٍ وَهَذَا خِلَافٌ مُجَرَّدٌ لِأَمْرِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَشَرْعٌ لَمْ يَأْذَنْ اللَّهُ تَعَالَى بِهِ؛ وَهُمْ يُصَحِّحُونَ الْخَبَرَ فِي إسْقَاطِ الزَّكَاةِ فِي أَقَلَّ مِنْ عِشْرِينَ دِينَارًا ثُمَّ يُوجِبُونَهَا فِي أَقَلَّ.
وَهَذَا عَظِيمٌ جِدًّا وَقَدْ صَحَّ عَنْ عَلِيٍّ، وَعُمَرَ، وَابْنِ عُمَرَ: إسْقَاطُ الزَّكَاةِ فِي أَقَلَّ مِنْ مِائَتَيْ دِرْهَمٍ، وَلَا مُخَالِفَ لَهُمْ مِنْ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.
وَأَمَّا إخْرَاجُ الذَّهَبِ عَنْ الْوَرِقِ، وَالْوَرِقِ عَنْ الذَّهَبِ، فَإِنَّ مَالِكًا، وَأَبَا حَنِيفَةَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.app/page/contribute