لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ ذَلِكَ جَائِزًا لَمَا اسْتَقْرَضَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - عَلَى الصَّدَقَةِ وَانْتَظَرَ حَتَّى يَحِينَ وَقْتُهَا؛ بَلْ كَانَ يَسْتَعْجِلُ صَدَقَةً مِنْ بَعْضِ أَصْحَابِهِ؛ فَلَمَّا لَمْ يَفْعَلْ ذَلِكَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - صَحَّ أَنَّهُ لَا يُجْزِئُ أَدَاءُ صَدَقَةٍ قَبْلَ وَقْتِهَا - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى نَتَأَيَّدُ فَبَطَل كُلُّ مَا مَوَّهُوا بِهِ، وَصَحَّ أَنَّ كُلَّ مَا احْتَجُّوا بِهِ لَيْسَ فِيهِ إجَازَةُ إعْطَاءِ أَكْثَرَ مِنْ الْوَاجِبِ فِي الزَّكَاةِ وَلَا غَيْرِ الصِّفَةِ الْمَحْدُودَةِ فِيهَا.
وَأَمَّا الْقِيمَةُ فَلَا دَلِيلَ لَهُمْ عَلَى جَوَازِهَا أَصْلًا، بَلْ الْبُرْهَانُ ثَابِتٌ بِتَحْرِيمِ أَخْذِهَا، لِأَنَّهَا غَيْرُ مَا أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى بِهِ، وَتَعَدٍّ لِحُدُودِ اللَّهِ، وَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ} [الطلاق: ١] .
وَقَالَ تَعَالَى: {فَمَنْ بَدَّلَهُ بَعْدَمَا سَمِعَهُ فَإِنَّمَا إِثْمُهُ عَلَى الَّذِينَ يُبَدِّلُونَهُ} [البقرة: ١٨١] .
فَإِنْ قَالُوا: إنْ كَانَ نَظَرًا لِأَهْلِ الصَّدَقَةِ فَمَا يَمْنَعُ مِنْهُ؟ قُلْنَا: النَّظَرُ كُلُّهُ لِأَهْلِ الصَّدَقَةِ أَنْ لَا يُعْطُوا مَا حَرَّمَهُ اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِمْ، إذْ يَقُولُ تَعَالَى: {وَلا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ} [البقرة: ١٨٨] .
وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ عَلَيْكُمْ حَرَامٌ» .
فَصَحَّ أَنَّهُ لَا يَحِلُّ مِنْ مَالِ أَحَدٍ إلَّا مَا أَبَاحَهُ اللَّهُ تَعَالَى مِنْهُ، أَوْ أَوْجَبَهُ فِيهِ فَقَطْ، وَمَا أَبَاحَ تَعَالَى قَطُّ أَخْذَ قِيمَةٍ عَنْ زَكَاةٍ افْتَرَضَهَا بِعَيْنِهَا وَصِفَتِهَا وَمَا نَدْرِي فِي أَيِّ نَظَرٍ مَعْهُودٍ بَيْنَنَا وَجَدُوا أَنْ تُؤْخَذَ الزَّكَاةُ مِنْ صَاحِبِ خَمْسٍ مِنْ الْإِبِلِ لَا تَقُومُ بِهِ، وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ مِمَّنْ لَا يَمْلِكُ إلَّا وَرْدَةً وَاحِدَة أَخْرَجَتْهَا قِطْعَةُ أَرْضٍ لَهُ: وَلَا تُؤْخَذُ مِنْ صَاحِبِ جَوَاهِرَ وَرَقِيقٍ وَدُورٍ بِقِيمَةِ مِائَةِ أَلْفٍ وَلَا مِنْ صَاحِبِ تِسْعٍ وَعِشْرِينَ بَقَرَةً، وَتِسْعٍ وَثَلَاثِينَ شَاةً، وَخَمْسِ أَوَاقٍ غَيْرِ دِرْهَمٍ مِنْ الْفِضَّةِ فَهَلْ فِي هَذَا كُلِّهِ إلَّا اتِّبَاعُ مَا أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى فَقَطْ؟ وَقَدْ جَاءَ قَوْلُنَا عَنْ السَّلَفِ، كَمَا رُوِّينَا [مِنْ طَرِيقِ] سُوَيْد بْنِ غَفَلَةَ قَالَ " سِرْت -
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.app/page/contribute