للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: أَمَّا قَوْلُ عَلِيٍّ، وَعُمَرَ، فَلَا حُجَّةَ فِي قَوْلِ أَحَدٍ دُونَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَقَدْ كَانَ يَلْزَمُ الْحَنَفِيِّينَ - الْقَائِلِينَ فِي مِثْلِ هَذَا إذَا وَافَقَ أَهْوَاءَهُمْ: مِثْلُ هَذَا لَا يُقَالُ بِالرَّأْيِ -: أَنْ يَقُولُوا بِهِ؟ وَأَمَّا قَوْلُ الشَّافِعِيِّ: فَإِنَّهُ قَاسَ عَلَى حُكْمِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَا لَيْسَ فِيهِ، وَالْقِيَاسُ بَاطِلٌ، وَكَانَ يَلْزَمُهُ عَلَى قِيَاسِهِ هَذَا - إذَا رَأَى فِي الْعَيْنَيْنِ الدِّيَةَ، وَفِي السَّمْعِ الدِّيَةَ، وَفِي الْيَدَيْنِ الدِّيَةَ -: أَنْ يَكُونَ عِنْدَهُ فِي إتْلَافِ النَّفْسِ دِيَاتٌ كُلُّ مَا فِي الْجِسْمِ مِنْ الْأَعْضَاءِ، لِأَنَّهَا بَطَلَتْ بِبُطْلَانِ النَّفْسِ، وَكَانَ يَلْزَمُهُ إذْ رَأَى فِي السَّهْوِ سَجْدَتَيْنِ - أَنْ يَرَى فِي سَهْوَيْنِ فِي الصَّلَاةِ أَرْبَعَ سَجَدَاتٍ وَفِي ثَلَاثَةِ أَسْهَاءٍ سِتَّ سَجَدَاتٍ؟ وَأَقْرَبُ مِنْ هَذَا أَنْ يَقُولَ، إذَا عَدِمَ التَّبِيعَ وَجَدَ الْمُسِنَّةَ أَنْ يُقَدِّرَ فِي ذَلِكَ تَقْدِيرًا؛ وَلَكِنَّهُ لَا يَقُولُ بِهَذَا، فَقَدْ نَاقَضَ قِيَاسَهُ وَأَمَّا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ، وَمَالِكٍ، فَخِلَافٌ مُجَرَّدٌ لِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلِلصَّحَابَةِ، وَمَا نَعْلَمُ لَهُمْ حُجَّةً، إلَّا أَنَّهُمْ قَالُوا: هَذَا بَيْعٌ مَا لَمْ يُقْبَضْ؟ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَهَذَا كَذِبٌ مِمَّنْ قَالَهُ وَخَطَأٌ لِوُجُوهٍ -: أَحَدُهَا: أَنَّهُ لَيْسَ بَيْعًا أَصْلًا وَلَكِنَّهُ حُكْمٌ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِتَعْوِيضِ سِنٍّ، مَعَهَا شَاتَانِ أَوْ عِشْرُونَ دِرْهَمًا مِنْ سِنٍّ أُخْرَى؛ كَمَا عَوَّضَ اللَّهُ تَعَالَى وَرَسُولُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إطْعَامَ سِتِّينَ مِسْكَيْنَا مِنْ رَقَبَةٍ تُعْتَقُ فِي الظِّهَارِ، وَكَفَّارَةِ الْوَاطِئِ عَمْدًا فِي نَهَارِ رَمَضَانَ فَلْيَقُولُوا هَاهُنَا: إنَّ هَذَا بَيْعٌ لِلرَّقَبَةِ قَبْلَ قَبْضِهَا وَالثَّانِي: أَنَّهُمْ أَجَازُوا بَيْعَ مَا لَمْ يُقْبَضْ عَلَى الْحَقِيقَةِ حَيْثُ لَا يَحِلُّ وَهُوَ تَجْوِيزُ أَبِي حَنِيفَةَ أَخْذَ الْقِيمَةِ عَنْ الزَّكَاةِ الْوَاجِبَةِ، فَلَمْ يُنْكِرْ أَصْحَابُهُ الْبَاطِلَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَأَنْكَرُوا الْحَقَّ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَلَا ذَلِكَ هُوَ الضَّلَالُ الْمُبِينُ وَالثَّالِثُ: أَنَّ النَّهْيَ عَنْ بَيْعِ مَا لَمْ يُقْبَضْ لَمْ يَصِحَّ قَطُّ إلَّا فِي الطَّعَامِ، لَا فِيمَا سِوَاهُ؟ وَهَذَا مِمَّا خَالَفُوا فِيهِ السُّنَنَ وَالصَّحَابَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -؟

<<  <  ج: ص:  >  >>