قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَهَذِهِ شَرِيعَةُ إبْلِيسَ لَا شَرِيعَةُ اللَّهِ تَعَالَى وَرَسُولِهِ مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَعْنِي قَوْلَهُ: إنْ كَانَ مَعَ الْمِائَةِ خَرُوفٌ وَالْعِشْرُونَ خَرُوفًا: مُسِنَّتَانِ زَائِدَتَانِ أُخِذَتَا عَنْ زَكَاةِ الْخِرْفَانِ كِلْتَاهُمَا، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَعَهَا إلَّا مُسِنَّةٌ وَاحِدَةٌ: أُخِذَتْ وَحْدُهَا عَنْ زَكَاةِ الْخِرْفَانِ وَلَا مَزِيدَ وَمَا جَاءَ بِهَذَا قَطُّ قُرْآنٌ وَلَا سُنَّةٌ صَحِيحَةٌ وَلَا رِوَايَةٌ سَقِيمَةٌ، وَلَا قَوْلُ أَحَدٍ مِنْ الصَّحَابَةِ وَلَا مِنْ التَّابِعِينَ، وَلَا أَحَدُ نَعْلَمُهُ قَبْلَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَلَا قِيَاسٌ وَلَا رَأْيٌ سَدِيدٌ.
وَقَدْ رُوِيَ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ مَرَّةً فِي أَرْبَعِينَ خَرُوفًا: يُؤْخَذُ عَنْ زَكَاتِهَا شَاةٌ مُسِنَّةٌ، وَبِهِ يَأْخُذُ زُفَرُ، ثُمَّ رَجَعَ إلَى أَنْ قَالَ: بَلْ يُؤْخَذُ عَنْ زَكَاتِهَا خَرُوفٌ مِنْهَا؛ وَبِهِ يَأْخُذُ أَبُو يُوسُفَ؛ ثُمَّ رَجَعَ إلَى أَنْ قَالَ: لَا زَكَاةَ فِيهَا؛ وَبِهِ يَأْخُذُ الْحَسَنُ بْنُ زِيَادٍ.
وَقَالَ مَالِكٌ كَقَوْلِ زُفَرَ، وَقَالَ الْأَوْزَاعِيُّ، وَالشَّافِعِيُّ، كَقَوْلِ أَبِي يُوسُفَ، وَقَالَ الشَّعْبِيُّ، وَسُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ، وَأَبُو سُلَيْمَانَ كَقَوْلِ الْحَسَنِ بْنِ زِيَادٍ.
قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: احْتَجَّ مَنْ رَأَى أَنْ تُعَدَّ الْخِرْفَانُ مَعَ أُمَّهَاتِهَا بِمَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ بِشْرِ بْنِ عَاصِمِ بْنِ سُفْيَانَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الثَّقَفِيِّ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ: أَنَّهُ كَانَ مُصَدِّقًا فِي مَخَالِيفِ الطَّائِفِ، فَشَكَا إلَيْهِ أَهْلُ الْمَاشِيَةِ تَصْدِيقَ الْغِذَاءِ، وَقَالُوا: إنْ كُنْت مُعْتَدًّا بِالْغِذَاءِ فَخُذْ مِنْهُ صَدَقَتَهُ. قَالَ عُمَرُ: فَقُلْ لَهُمْ: إنَّا نَعْتَدُّ بِالْغِذَاءِ كُلِّهَا حَتَّى السَّخْلَةُ يَرُوحُ بِهَا الرَّاعِي عَلَى يَدِهِ؛ وَقُلْ لَهُمْ: إنِّي لَا آخُذُ الشَّاةَ الْأَكُولَةَ؛ وَلَا فَحْلَ الْغَنَمِ، وَلَا الرُّبَى، وَلَا الْمَاخِضَ؛ وَلَكِنِّي آخُذُ الْعَنَاقُ، وَالْجَذَعَةَ، وَالثَّنِيَّةَ: وَذَلِكَ عَدْلٌ بَيْنَ غِذَاءِ الْمَالِ، وَخِيَارِهِ.
وَرُوِّينَا هَذَا أَيْضًا مِنْ طَرِيقِ مَالِكٍ عَنْ ثَوْرِ بْنِ زَيْدٍ عَنْ ابْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سُفْيَانَ وَمِنْ طَرِيقِ أَيُّوبَ عَنْ عِكْرِمَةَ بْنِ خَالِدٍ عَنْ سُفْيَانَ.
مَا نَعْلَمُ لَهُمْ حُجَّةً غَيْرَ هَذَا؟
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.app/page/contribute