للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

أُولَئِكَ رَفِيقًا، غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمُ الَّذِينَ يَعْرِفُونَ الْحَقَّ، وَلَا يَعْمَلُونَ بِهِ، كَالْيَهُودِ، وَلَا الضَّالِّينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ وَيَعْبُدُونَ وَيَزْهَدُونَ بِلَا عِلْمٍ كَالنَّصَارَى» (١).

ويقول ابن القيم -رحمه الله-: لقد «انْقَسَمَ النَّاسُ بِحَسَبِ مَعْرِفَةِ الْحَقِّ وَالْعَمَلِ بِهِ إِلَى هَذِهِ الْأَقْسَامِ الثَّلَاثَةِ، لِأَنَّ الْعَبْدَ إِمَّا أَنْ يَكُونَ عَالِمًا بِالْحَقِّ، وَإِمَّا جَاهِلًا بِهِ، وَالْعَالِمُ بِالْحَقِّ إِمَّا أَنْ يَكُونَ عَامِلًا بِمُوجَبِهِ أَوْ مُخَالِفًا لَهُ، فَهَذِهِ أَقْسَامُ الْمُكَلَّفِينَ لَا يَخْرُجُونَ عَنْهَا الْبَتَّةَ، فَالْعَالِمُ بِالْحَقِّ الْعَامِلُ بِهِ هُوَ الْمُنْعَمُ عَلَيْهِ، وَهُوَ الَّذِي زَكَّى نَفْسَهُ بِالْعِلْمِ النَّافِعِ وَالْعَمَلِ الصَّالِحِ، وَهُوَ الْمُفْلِحُ {قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا (٩)} [الشمس] وَالْعَالِمُ بِهِ الْمُتَّبِعُ هَوَاهُ هُوَ الْمَغْضُوبُ عَلَيْهِ، وَالْجَاهِلُ بِالْحَقِّ هُوَ الضَّالُّ، وَالْمَغْضُوبُ عَلَيْهِ ضَالٌّ عَنْ هِدَايَةِ الْعَمَلِ، وَالضَّالُّ مَغْضُوبٌ عَلَيْهِ لِضَلَالِهِ عَنِ الْعِلْمِ الْمُوجِبِ لِلْعَمَلِ، فَكُلٌّ مِنْهُمَا ضَالٌّ مَغْضُوبٌ عَلَيْهِ، وَلَكِنَّ تَارِكَ الْعَمَلِ بِالْحَقِّ بَعْدَ مَعْرِفَتِهِ بِهِ أَوْلَى بِوَصْفِ الْغَضَبِ وَأَحَقُّ بِهِ» (٢).

ويعرف ابن سعدي -رحمه الله- الطوائف الثلاث فيقول: «{صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ}.

{أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ} بالنِّعمة التّامَّة المُتَّصِلة بالسَّعادة الأبدية، وهُم الأنبياء والصِّديقون والشُّهداء والصّالحون، {غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ} وهُم الذين عرفوا الحق وتركوه، كاليهود ونحوهم، {وَلَا الضَّالِّينَ (٧)} الذين ضلّوا عن الحق، كالنَّصارى ونحوهم» (٣).

ويوضح ابن عاشور -رحمه الله- المراد بكل طائفة من الطوائف الثلاث فيقول: «{الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ} ليس مرادًا به فريق معين، و {الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ}: جنس للْفِرَق الَّتِي تَعَمّدت ذَلِك، واستخفت بالدِّيانة عَن عَمْد أَو تَأْوِيل بعيد جدًّا، و {الضَّالِّينَ (٧)}: جنس للْفِرَق الَّتِي أَخْطَأت الدَّين عَن سوء فهم وَقلة إصغاء، وكلا الْفَرِيقَيْنِ مَذْمُوم، لأنَّنا مأمورون


(١) الجواب الصحيح لمن بدَّل دين المسيح (ص ١٠٢ - ١٠٣).
(٢) مدارج السالكين (١/ ٣١ - ٣٧).
(٣) تفسير ابن سعدي (ص ١٢).

<<  <   >  >>