وَيَقُولُ: «مَا رَأَيْتُ بِمَكَّةَ أَحْسَنَ لُمَّةً، وَلا أَرَقَ حُلَّةً، وَلا أَنْعَمَ نِعْمَةً مِنْ مُصْعَب بْن عُمَيْرٍ.
فَبَلَغَهُ أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَدْعُو إِلَى الإِسْلامِ فِي دَارِ أَرْقَمٍ، فَدَخَلَ عَلَيْهِ فَأَسْلَمَ وَصَدَّقَ بِهِ، وَخَرَجَ فَكَتَمَ إِسْلامَهُ، خَوْفًا مِنْ أُمِّهِ وَقَوْمِهِ، فَكَانَ يَخْتَلِفُ إِلَى رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - سِرًّا فَبَصُرَ بِهِ عُثْمَانُ بن طَلْحَةٍ يُصَلِّي فَأَخْبَرَ أَمَّهُ وَقَوْمَهُ فَأَخَذُوهُ فَحَبَسُوهُ فَلَمْ يَزَلْ مَحْبُوسًا، حَتَّى خَرَجَ إِلَى أَرْضِ الْحَبَشَةِ فِي الْهِجْرَةِ الأُولَى، ثُمَّ رَجَعَ مَعَ الْمُسْلِمِينَ حِينَ رَجَعُوا، فَرَجَعَ مُتَغَيْرَ الْحَالِ قَدْ خَرَجَ فَكَفَّتْ أُمُّهُ عَنْهُ مِنَ الْعَذْلِ.
وَأَخْرَجَهَ الطَّبَرَانِيُّ وَالْبَيْهَقِيُّ عَنْ عُمَر رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: نَظَرَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - إِلَى مُصْعَبِ بْن عُمَيْرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ مُقْبِلاً عَلَيْهِ إِهَابِ كَبْشٍ - أَيْ جَلْد كَبْشٍ - (قَدْ تَمَنْطَقَ بِهِ) - أَي شّدَّهُ فِي وَسَطِهِ، فَقَالَ: «انْظُرُوا إِلَى هَذَا نَوَّرَ اللهُ قَلْبَهُ وَلَقَدْ رَأَيْتُهُ بَيْنَ أَبَوَيْنِ يُغْذُوَانه بِأَطْيَبِ الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ، وَلَقَدْ رَأَيْتَ عَلَيْهِ حُلَّةً شَرَاهَا - أَوْ شُرِيَتْ - بِمَائَةِ دَرْهَمٍ فَدَعَاهُ حُبُّ اللهِ وَرَسُولِهِ إِلَى مَا تَرَوْنَ.
وَأَخْرَجَ التّرمُذِيُّ وَحَسَّنَهُ أَبُو يَعْلَى وَابْنُ رَاهَوِيهُ عَنْ عَلِيُّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، قَالَ: خَرَجْتُ فِي غَدَاةٍ شَاتِيَةٍ مِنْ بِيْتِي جَائِعًا حَرصًا قَدْ أَذْلَقَنِي الْبَرْدُ، فَأَخَذْتُ إِهَابًا مَعْطُونًا كَانَ عِنْدنَا فَجَبَبْتُهُ.
ثُمَّ أَدْخَلْتُهُ فِي عُنُقِي ثُمَّ حَزَّمْتُهُ عَلَى صَدْرِي اسْتَدْفِئُ بِهِ، فَوَاللهِ مَا فِي بَيْتِي شَيْء آكلُ مِنْهُ، وَلَوْ كَانَ فِي بَيْتِ النَّبِيّ - صلى الله عليه وسلم - لَبَلَغَنِي، فَخَرَجْتُ فِي بَعْضِ نَوَاحِي الْمَدِينَةِ، فَاطَّلَعْتُ إِلَى يَهُودِيٍّ فِي حَائِطٍ مِنْ ثَغْرَةِ جِدَارِهِ، فَقَالَ: مَا لَكَ يَا أَعَرْابِيُّ هَلْ لَكَ فِي كُلّ دَلْو بِتَمَرَةٍ، فَقُلْتُ: نَعَم فَافْتَحْ الْحَائِطَ فَفَتَحَ لِي فَدَخَلْتُ أَنْزِعُ دَلْوًا وَيَعْطِينِي تَمْرَةً حَتَّى امْتَلاءَتْ كَفْي. قُلْتُ: حَسْبِي مِنْكَ الآن.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.app/page/contribute