آخر: يُزَهِّدُ فِي الدُّنْيَا:
قَطّعْتُ مِنْكَ حَبَائِل الآمَالِ ... وَحَطَطْتُ عَنْ ظَهَرِ الْمَطي رِحَالي
وَيَئسِتُ أَنْ أَبْقَى لِشَيْءٍ نِلْتُ مِمَّا ... فِيكَ يَا دُنْيَا وَأَنْ يَبْقَى لِي
فَوَجَدْتُ بَرْدَ الْيَأْسِ بَيْنَ جَوَانِحِي ... وَأَرَحْتُ مِنْ حَلَى وَمِنْ تَرْحَالي
وَلَئِنْ يَئِسْتُ لَرُبّ بَرْقَةِ خُلّبِ ... بَرَقَتْ لِذِي طَمَعٍ وَبَرَقْةِ آلِ
مَا كَانَ أَشَامَ إِذْ رَجَاؤكِ قَاتِلِي ... وَبَنَاتُ وَعْدِكِ يَعْتَلِجْنَ بِبَالِي
فَالآن يَا دُنْيَا عَرَفَتُكِ فَاذْهَبِي ... يَا دَارَ كُلِّ تَشَتتٍ وَزَوَالِ
وَالآنَ صَارَ لِي الزَّمَانُ مُؤدِّباً ... فَغَدَا عَلَيَّ وَرَاحَ بِالأَمْثَالِ
وَالآنَ أَبْصَرْتُ السَّبِيلَ إِلى الْهُدَى ... وَتَفَرّغَتْ هَمِمِي عَنِ الأَشْغَالِ
وَلَقْدَ أَقَامَ لِي الْمَشِيبُ نُعَاتَهُ ... يُفْضِي إِلَيّ بِمِفْرِقٍ وَقَذَالِ
وَلَقْدَ رَأَيْتُ الْمَوْتَ يُبْرِقُ سَيْفَهُ ... بِيَدِ الْمَنِيَّةِ حَيْثُ كُنتُ حِيالِي
وَلَقْدَ رَأَيْتُ عُرَى الْحَيَاةِ تَخَرَّمَتْ ... وَلَقَدْ تَصَدَّى الْوَارِثُونَ لِمَالِي
وَلَقْدَ رَأَيْتُ عَلَى الْفَنَاءِ أَدِلَّةً ... فِيمَا تَنَكَّرَ مِنْ تَصَرَّفِ حَالِي
وَإِذَا اعْتَبَرْتُ رَأَيْتُ خَطْبَ حَوَادِثٍ ... يَجْرِينَ بِالأَرْزَاقِ وَالآجَالِ
وَإِذَا تَنَاسبتِ الرِّجَالِ فَمَا أَرَى ... نَسَباً يُقَاسُ بِصَالِحِ الأَعْمَالِ
وَإِذَا بَحَثْتُ عَنِ التَّقِيّ وَجَدْتُهُ ... رَجُلاً يُصَدِّقُ قَوْلَهُ بِفَعَالِ
وَإِذَا اتَّقَى اللهَ امْرُؤٌ وَأَطَاعَهُ ... فَيَدَاهُ بَيْنَ مَكَارِمٍ وَمَعَالِ
وَعَلَى التَّقِيِّ إِذَا تَرَسَّخَ فِي التُّقَى ... تَاجَانِ تَاجُ سَكِينَةٍ وَجَلالِ
وَاللَّيْلُ يَذْهَبُ وَالنَّهَارُ تَعَاوُراً ... بِالْخَلْقِ فِي الإِدْبَارِ وَالإِقْبَالِ
وَبِحَسْبِ مَنْ تُنْعَى إِلَيْهِ نَفْسُهُ ... مِنْهُ بِأَيَّامٍ خَلَتْ وَلَيَالِ
اضْرِبْ بِطَرْفِكَ حَيْثُ شِئْتَ فَأَنْتَ فِي ... عِبَرٍ لَهُنَّ تَدَارُكٌ وَتَوَالِ