ثُمَّ قَالَ: أَُخْرُجْ فَقُلْ: مَنْ أَرَادَ أَنْ يَسْأَلَ عَنْ الْعَرَبِيَّةِ وَالشِّعْرِ وَغَرِيبِ كَلامِ الْعَرَبِ فَلَيْدَخُلْ فَدَخَلُوا حَتَّى مَلَؤُا الْبَيْتَ وَالْحُجْرَةَ فَمَا سَأَلُوا عَنْ شَيْءٍ إِلا أَخْبَرَهُمْ بِهِ وَزَادَهُمْ مِثْلَهُ رَاوِي الْخَبَرِ: فَلَوْ أَنَّ قُرَيْشاً كُلَّهَا فَخَرَتْ بِذَلِكَ لَكَانَ ذَلِكَ لَهَا فَخْراً.
وَكَانَ ابنُ عَبَّاسٍ رَأَى أَنْ يُوَزِّعَ الْعُلُومَ عَلَى الأَيَّامِ حَتَّى لا يَحْدُثَ عَلَى بَابِهِ مِثْلُ ذَلِكَ الزَّحَامِ فَصَارَ يَجْلِسُ فِي الأُسْبُوع يَوْماً لا يَذْكُرُ فِيهِ إِلا التَّفْسِيرَ وَيَوْماً لا يَذْكُرُ فِيهِ إِلا الْفِقْهَ وَيَوْماً لا يَذْكُرُ فِيهِ إِلا الْمَغَارِي وَيَوْماً لا يَذْكُرُ فِيهِ إِلا أَيَّامَ الْعَرَبِ.
وَقَدْ غَدَا ابْنُ عَبَّاسٍ بِفَضْلِ مَا وَهَبَهُ اللهُ مِنْ الْعِلْمِ وَالْفِقهِ مُسْتَشَاراً لِلْخِلافَةِ الرَّاشِدَةِ عَلَى الرَّغْمِ مِنْ حَدَاثَةِ سِنِهِ فَكَانَ إِذَا عَرَضَ لِعُمَرَ بنِ الْخَطَّابِ أَمْرٌ وَوَاجَهَتْهُ مُعْضِلَةٌ دَعَا جِلَّةَ الصَّحَابَةِ وَدَعَا مَعَهُمْ عَبْدَ اللهِ بن عَبَّاسٍ فَإِذَا حَضَرَ رَفَعَ مَنْزِلَتَهُ وَأَدْنَى مَجِلِسَهُ وَقَالَ لَهُ: لَقَدْ أَعْضَلَ عَلَيْنَا أَمْرٌ أَنْتَ لَهُ وَلأَمْثَالِهِ.
وَقَدْ عُوتِبَ عُمَرُ مَرَّةً فِي تَقْدِيمِهِ لابْنِ عَبَّاسٍ وَجَعَلِهِ مَعَ الشُّيُوخِ وَهُوَ مَا زَالَ فَتَىً فَقَالَ: إِنَّهُ فَتَىَ الْكُهُولِ لَهُ لِسَانٌ وَقَلْبٍ عَقُول أ. هـ.
قَالَ ابنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا فَأَذِنَ لَهُمْ يَوْماً وَأَذِنَ لِي مَعَهُمْ فَسَأَلَهُمْ عَنْ هَذِهِ السُّورَةِ {إِذَا جَاء نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ} فَقَالُوا: أَمَرَ اللهُ نَبِيَّهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذْ فَتَحَ اللهُ عَلَيْهِ أَنْ يَسْتَغْفِرَ وَأَنْ يَتُوبَ إِلَيْهِ.
فَقَالَ: مَا تَقُولُ يَا ابْنَ عَبَّاسٍ؟ فَقُلْتُ: لَيْسَ كَذَلِكَ وَلَكِنَّهُ أَخْبَرَ نَبِيَّهُ بِحُضُورِ أَجَلِهِ فَقَالَ: {إِذَا جَاء نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ} فَتْحُ مَكَّةَ وَرَأَيْتَ النَّاسَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.app/page/contribute