وَلَمَّا نَزَل قَوْلُهُ جَلَّ شَأْنُه: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلَا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَن تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنتُمْ لَا تَشْعُرُونَ} .
تَجَنَّبَ ثَابِتُ بن قَيْسٍ مَجَالِسَ رَسُولِ الله ? - على الرَّغْمِ مِنْ شِدَّةِ حُبِّهِ لَهُ، وَفَرْطِ تَعَلُّقِهِ بِهِ -.
وَلَزِمَ بَيْتَه حَتَّى لا يَكَادُ يَبْرَحه إِلا لأَدَاءِ الْمَكْتُوبَةِ. فَافْتَقَدَه النَّبِيُّ صَلَوَاتُ اللهِ وَسَلامُهُ عَلَيْهِ وَقَالَ: ((مَنْ يَأْتِينِي بِخَبَرِهِ)) ؟
فَقَالَ رَجُلٌ مِن الأَنْصَارِ: أَنَا يَا رَسُولَ اللهِ. وَذَهَبَ إِلَيْهِ فَوَجَدَهُ فِي مَنْزِلِه مَحْزُونًا مُنْكِّسًا رَأْسَهُ فَقَالَ: مَا شَأْنُكَ يَا أَبَا مُحَمَّدٍ؟ . قَالَ: شَرٌّ. قَالَ: وَمَا ذَاكَ؟! قَالَ: إِنَّكَ تَعْرِفُ أَنِّي رَجُلٌ جَهِيرُ الصَّوْتِ، وَأَنَّ صَوْتِي كَثِيرًا مَا يَعْلُو عَلَى صَوْتِ رَسُولِ اللهِ ? وَقَدْ نَزَلِ مِنْ الْقُرْآنِ مَا تَعْلَمُ، وَمَا أَحْسَبُنِي إِلا قَدْ حَبِطَ عَمَلِي وَأَنَّنِي مِنْ أَهْلِ النَّارِ.
فَرَجَعَ الرَّجُلُ إِلى الرَّسُولِ صَلَوَاتُ الله وَسَلامُهُ عَلَيْهِ، وَأَخْبرَهُ بِمَا رَأَى وَمَا سَمِعَ فَقَالَ: ((اذْهَبْ إِلَيْهِ وَقُلْ لَهُ: لَسْتَ مِنْ أَهْلِ النَّارِ، وَلَكِنَّكَ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ)) . فَكَانَتْ هَذِهِ بِشَارَةً عُظْمَى لِثَابِتٍ ظَلَّ يَرْجُو خَيْرَهَا طُوَالَ حَيَاتِه.
وَقَدْ شَهِدَ ثَابِتُ بنُ قَيْسٍ مَعَ رَسُولِ اللهِ ? الْمَشَاهِدَ كُلَّهَا سِوَى بَدْرٍ، وَأَقْحَمَ نَفْسَهُ فِي غِمَارِ الْمَعَارِكِ طَلِبًا لِلشَّهَادَةِ الَّتِي بِشَّرَهُ بِهَا النَّبِيِّ، فَكَانَ يخطِئُها فِي كُلِّ مَرَّةٍ، وَهِيَ قَابَ قَوْسَيْنَ مِنْهُ أَوْ أَدْنَى ...
إِلى أَنْ وَقَعَتْ حُرُوبُ الرِّدَّةِ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ وَمُسَيْلَمَةَ الْكَذَّابِ عَلَى عَهْدِ الصِّدِّيقِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ.
وَلَقَدْ كَانْ ثَابِتُ بنُ قَيْسٍ إِذْ ذَاكَ أَمِيرًا لِجُنْدِ الأَنْصَارِ، وَسَالِمٌ مَوْلَى أَبِي حُذَيْفَةَ أَمِيرًا لِجُنْدِ الْمُهَاجِرِينَ، وَخَالِدُ بنُ الْوَلِيدِ قَائِدًا لِلْجَيْشِ كُلِّه: أَنْصَارِهِ وَمُهَاجِرِيه وَمَنْ فِيهِ مِنْ أَبْنَاءِ الْبَوَادِي.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.app/page/contribute