للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والمقصود أن الله سُبْحَانَهُ جعل للسعادة والشقاء عنوانَا يعرفان به. فالسَّعِيد الطيب لا يليق به إِلا طيب، ولا يأتي إِلا طيبًا، ولا يصدر منه إِلا طيب، ولا يلبس إِلا طيبًا، والشقي الخبيث لا يليق به إِلا الخبيث، ولا يأتي إِلا خبيثًا ولا يصدر منه إِلا الخبيث.

فالخبيث: يتفجر من قَلْبهُ الخبث على لِسَانه وجوارحه. والطيب: يتفجر من قَلْبهُ الطيب على لِسَانه وجوارحه، وقَدْ يكون في الشخص مادتان، فأيهما غلب عَلَيْهِ كَانَ من أهله، فإن أراد الله به خيرًا طهره من المادة الخبيثة قبل الموافاة، فيوافيه يوم القيامة مطهرًا فلا يحتاج إلى تطهيره بالنار.

فيطهره منها بما يوفقه له من التوبة النصوح، والحسنات الماحية، والمصائب المكفرة حتى يلقى الله وما عَلَيْهِ خطيئة. ويمسك عن الآخِر مواد التطهير، فيلقاه يوم القيامة بمادة خبيثة ومادة طيبة، وحكمته تَعَالَى تأبى أن يجاوره أحد في داره بخبائثه، فيدخله النار طهرة له، وتصفية وسبكًا، فإذا خلصت سبيكة إيمانه من الخبث صلح حينئذٍ لجواره ومساكنة الطيبين من عباده.

وإقامة هَذَا النوع من النَّاس في النار على حسب سرعة زَوَال تلك الخبائث مِنْهُمْ وبطئها فأسرعهم زوالاً وتطهيرًا أسرعهم خروجًا، جزاء وفاقا، وما ربك بظلام للعبيد.

وما كَانَ المشرك خبيث العنصر خبيث الذات لم تطهر النار خبثه، بل لو خَرَجَ منها لعاد خبيثًا كما كَانَ كالكلب إذا دخل البحر ثُمَّ خَرَجَ منه فلذَلِكَ حرم الله تَعَالَى على المشرك الْجَنَّة. ولما كَانَ المُؤْمِن الطيب المطيب مبرًا من الخبائث، كأَنْتَ النار حرامًا عَلَيْهِ، إذا لَيْسَ فيه ما يقتضي تطهيره بها.

<<  <  ج: ص:  >  >>