وهذه هي السعادة التي يكدح العبد ويسعى من اجلها وليس له منها إلا ما سعى كما قال جلا وعلا وتقدس {وَأَن لَّيْسَ لِلْإِنسَانِ إِلَّا مَا سَعَى} .
فكل جزء يفوته من العمر خاليًا من عمل صالح.
يفوته من السعادة بقدره ولا عوض لها منه.
فالوقت لا يستدرك وليس شيء أعز منه وكل جزء يحصل له من العمر غير خال من العمل الصالح يتوصل به إلى ملك كبير لا يفني ولا قيمة لما يوصل إلى ذلك لأنه في غاية الشرف والنفاسة.
وللأجل هذا عظمت مراعاة السلف الصالح رضي الله عنهم لأنفاسهم ولحظاتهم وبادروا إلى اغتنام ساعاتهم وأوقاتهم ولم يضيعوا أعمارهم في البطالة والتقصير ولم يقنعوا لأنفسهم إلا بالجد والتشمير فلله درهم ما أبصرهم بتصرف أوقاتهم.
تَبْغِي الْوُصُولَ بِسَيْرٍ فِيهِ تَقْصِيرُ ... لا شَكَّ أَنَّكَ فِيمَا رُمْتَ مَغْرُورُ
قَدْ سَارَ قَبْلَكَ أَبْطَالٌ فَمَا وَصِلُوا ... هَذَا وَفِي سَيْرِهِمْ جَدٌّ وَتَشْمِيرُ
قال بعضهم: أدركت أقوامًا كانوا على ساعاتهم أشفق منكم على دنانيركم ودراهمكم فكما لا يخرج أحدكم دينارًا ولا درهمًا إلا فيما يعود نفعه عليه فكذالك السلف لا يحبون أن تخرج ساعة بل دقيقة من أعمارهم إلا فيما يعود نفعه عليهم ضد ما عليه أهل هذا الزمان من قتل الوقت عند المنكرات.
بَقِيَّةُ الْعُمْرِ عِنْدِي مَا لَهُ ثَمَنٌ ... وَإِنْ غَدَا غَيْرَ مَحْسُوبٍ مِنَ الزَّمَنِ
يَسْتَدْرِكُ الْمَرْءُ فِيهَا كُلَّ فَائِتَةٍ ... مِنَ الزَّمَانِ وَيَمْحُو السُّوءَ بِالْحَسَنِ
آخر:
لا يَحْقِر الرَّجُلُ الرَّفِيعُ دَقِيقَةً ... فِي السَّهْوِ فِيهَا لِلْوَضِيعِ مَعَاذِرُ
فَكَبَائِرُ الرَّجُلِ الصَّغِيرُ صَغِيرَةٌ ... وَصَغَائِرُ الرَّجُلِ الْكَبِيرِ كَبَائِرُ
رأى أحد الزهاد إنسان يأكل فطوره وهو يحتاج إلى مضغ فقال هذا