للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وسلمًا إِلَى ضلالتهم، وداعيًا إِلَى غيهم، وسالكًا سبيلهم، يدخلون بك الشك على الْعُلَمَاء، ويقتادون بك قُلُوب الجهال إليهم، فلم تبلغ أخص وزرائهم، ولا أقوى أعوانهم لَهُمْ إلا دون ما بلغت من إصلاح فسادهم، واختلاف الخاصة والعامة إليهم، فما أيسر ما عمروا لَكَ فِي جنب ما خرجوا عَلَيْكَ، وما أقل ما أعطوك فِي كثير ما أخذوا منك، فَانْظُرْ لنفسك فإنه لا ينظر لها غيرك، وحاسبها حساب رجل مسؤول.

وانظر كيف شكرك لمن غذاك بنعمه صغيرًا وكبيرًا، وانظر كيف إعظامك أمر من جعلك بدينه فِي النَّاس بخيلاً، وكيف صيانتك لكسوة من جعلك لكسوته ستيرَا، وكيف قربك وبعدك ممن أمرك أن تَكُون منه قريبَا.

ما لَكَ لا تنتبه من نفسك، وتستقِيْل من عثرتك، فَتَقُول: وَاللهِ ما قمت لله مقامًا واحدًا أحيي لَهُ فيه دينًا، ولا أميت لَهُ فيه باطلاً، إنما شكرك لمن استحَمَلَكَ كتابه، واستودعك علمه.

ما يؤمنك أن تَكُون من الَّذِينَ قَالَ الله تَعَالَى فيهم: {فَخَلَفَ مِن بَعْدِهِمْ خَلْفٌ وَرِثُواْ الْكِتَابَ يَأْخُذُونَ عَرَضَ هَذَا الأدْنَى} ... الآية.

إنك لست فِي دار مقام، قَدْ أذنت بالرحيل، ما بقاء المرء بعد أقرانه، طُوبَى لمن كَانَ مَعَ الدُّنْيَا على وجل، ويا بؤس من يموت وتبقى ذنوبه من بعده.

إنك لم تؤمر بالنظر لوارثك على نفسك، ولَيْسَ أحد أهلاً أن تردفه على ظهرك. ذهبت اللذة وبقيت التعبة، ما أشقى من سعد بكسبه غيره، إحذر فقَدْ أتيت، وتخلصت فقَدْ أدهيت إِنَّكَ تعامل من لا يجهل، والَّذِي يحفظ عَلَيْكَ لا يغفل.

تجهز فقَدْ دنا منك سفر، وداو دينك فقَدْ دخله سقم شديد، ولا

<<  <  ج: ص:  >  >>