كمصدر سهل ميسور بالرغم مما يحمل في تضاعيفه من أخطاء وشبهات، وقد حاول الدكتور عبد العزيز الدوري مواجهة انحرافات هذا الكتاب في دراسة شاملة فأشار إلى أن تسمية مؤلفة (تاريخ العرب) تشعر بوجهة نظر مؤلفه الخاصة، فلم يسمه تاريخ الإسلام مثلاً، وهي تسمية تباين الكتاب في استعمالها بحسب تقديرهم لطبيعة هذا التاريخ، ومع أن نظرته لدور العرب الحضاري فيها مجال لإعادة النظر، إلا أنه يشعرك بأن العرب هم محور هذا التاريخ وقاعدته، أما مادة الكتاب فلا تشعر بوجهة نظر تاريخية، ولكنا نشعر أن مؤلفه وقع تحت تأثير مصادره أكثر مما تشعر بوجهة له، ونحن نرى في بعض النواحي الكتاب تلخيصًا لآراء حديثة لبعض المستشرقين أوردها لبعضهم تبين أنها واهية. لم يحاول المؤلف وضع مفهوم جديد للفتوحات ولم يخرج عن هيكل نظرية (كايتاني) رغم ما تعرضت له من هزات.
وتحدث المؤلف عن مناحي الحياة الفكرية في العصر الأموي وردد مع غيره أن العرب الفاتحين لم يكن لهم "أي ثقافة أو تراث فكري"، وأنهم تعلقوا بحضارة الأمم التي غلبوها فنقلوا عنها، وكانوا مهرة في النقل وأظهروا قابلية للغذاء العقلي. ويرى أن شجرة الفكر (العربي) التي ازدهرت في العصر العباسي تأصلت جذورها في ثقافات العهود السابقة في الإغريق والفرس واليونان. ونحن نعرف النشاط الفكري في العصر الأموي كما بان في عرف المؤلف نفسه -في الدراسات العربية الإسلامية، وظهر في مراكز عربية صرفة وهي المدينة والكوفة والبصرة، وأن الخطوط العامة لهذه الدراسات وضعت في العصر الأموي، أما الأخذ عن الحضارات القديمة فكان في حقل الإدارة (خاصة الضرائب)، وإن تسربت بعض الآراء فقد كان ذلك عرضًا وبطريق الاتصال الشفوي، ولم يحصل الأخذ المنظم إلا في زمن العباسيين، وهذا يصدق على "علوم الأوائل" ولا يمكن تعميمه على نواحي