الخديوي شرعيتها، وتجسدت إرادة الشعب يومئذ في "برلمانه الثوري" الذي سمي بـ "المجلس العرفي" .. وفيه تجسدت وحدة الشعب الوطنية والقومية كأروع ما تكون .. فمع عدد من الأمراء، ورجال الدولة، والإدارة، والتجارة والأعيان، كان علماء الإسلام، بمذاهبه المتعددة، وكذلك قضاة الشرع، ونقيب الأشراف .. وأيضًا كان بهذا المجلس العرفي: مرخص الأرمن الكاثوليك، ووكيل الأقباط الكاثوليك، ووكيل بطريكية الروم الأرثوذكسي .. كان جميع هؤلاء أعضاء في برلمان الثورة العرابية "المجلس العرفي" يجسدون وحدة الأمة الوطنية والقومية، على اختلاف مذاهبها وأديانها وشرائعها .. فأين .. في غير إطار أمتنا العربية الإسلامية، اشتركت وشاركت الأقليات جميعًا في صنع مصير الأمة عند الملمات؟! " "التراث" (٢٣٤).
إذن فخلاصة فكر الدكتور أنه يرى أن الوطنية -أي اجتماع أبناء الوطن بمختلف دياناتهم في سبيل بنائه وخدمته والدفاع عنه- هي السبيل الأمثل لمواجهة المستعمر! وأن المسلمين يجب أن يكونوا كغيرهم من المواطنين لا يسعون إلى أن تكون كلمة الله هي العليا وأن يعلو الإسلام على غيره من الديانات .. لأن في ذلك إحياء للطائفية والنزاع بين المواطنين (١). ولقد استقى هذه الفكرة كما علمت من مشايخه في الغيب الطهطاوي والأفغاني وعبده والكواكبي.
[* الوطنية في الميزان السلفي:]
تقديم الوطن على الدين كفر صريح لا يحتمل التأويل؛ لأنه يستلزم
(١) وهذا رأي كثير من الكتاب في بلاد مصر خاصة لقربهم من الأقباط وتشرب الكثير منهم -إلا من رحم الله- بالوطنية. انظر مثلاً كتاب "المسلمون والأقباط في إطار الجماعة الوطنية" لطارق البشري - دار الوحدة بيروت ١٩٨٢ - وهو ينقل من عمارة.