الصَّبِيَّ بِالْأَذَانِ فَهَلْ يَصِحُّ أَذَانُهُ، وَتَحْصُلُ بِهِ السُّنَّةُ وَيَسْقُطُ بِهِ الْوُجُوبُ عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّ الْأَذَانَ وَاجِبٌ أَمْ لَا هَذَا مَحِلُّ الْخِلَافِ الْمُتَقَدِّمِ؛ وَبِهَذَا يَتَحَرَّرُ الْكَلَامُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَعَدَّ الْفَاكِهَانِيُّ فِي شَرْحِ الرِّسَالَةِ الْبُلُوغَ مِنْ صِفَاتِ الْكَمَالِ وَلَمْ يَحْكِ فِي ذَلِكَ خِلَافًا.
(تَنْبِيهَاتٌ الْأَوَّلُ) وَبِهَذَا يُجْمَعُ بَيْنَ مَا وَقَعَ فِي كَلَامِ أَهْلِ الْمَذْهَبِ فِي اشْتِرَاطِ الْعَدَالَةِ، فَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: وَيَجِبُ كَوْنُهُ عَدْلًا عَالِمًا بِالْوَقْتِ إنْ اُقْتُدِيَ بِهِ، وَنَقَلَهُ ابْنُ نَاجِي فِي شَرْحِ الْمُدَوَّنَةِ، وَقَالَ الْفَاكِهَانِيُّ فِي شَرْحِ الرِّسَالَةِ: وَأَمَّا صِفَاتُ الْكَمَالِ فَهِيَ أَنْ يَكُونَ عَدْلًا عَارِفًا بِالْأَوْقَاتِ إلَى آخِرِهَا فَيُحْمَلُ كَلَام ابْنِ عَرَفَةَ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ أَنَّ ذَلِكَ وَاجِبٌ ابْتِدَاءً، وَكَلَامُ الْفَاكِهَانِيِّ عَلَى أَنَّهُ لَوْ أَذَّنَ غَيْرُ الْعَدْلِ وَغَيْرُ الْعَارِفِ بِالْأَوْقَاتِ صَحَّ أَذَانُهُ؛ لِأَنَّ ابْنَ عَرَفَةَ لَمَّا عَدَّ شُرُوطَ الْمُؤَذِّنِ لَمْ يَذْكُرْ ذَلِكَ فِيهَا، وَأَمَّا مَا ذَكَرَهُ فِي الذَّخِيرَةِ عَنْ الْجَوَاهِرِ مِنْ عَدِّهِ ذَلِكَ فِي شُرُوطِ الْمُؤَذِّن، وَكَذَلِكَ صَاحِبُ الْعُمْدَةِ يَشْتَرِطُ فِي الْمُؤَذِّنِ مَعْرِفَةَ الْأَوْقَاتِ وَكَذَلِكَ ذَكَرَ صَاحِبُ الْمَدْخَلِ أَنَّهُ يُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ عَدْلًا عَارِفًا بِالْأَوْقَاتِ سَالِمًا مِنْ اللَّحْنِ فِيهِ فَيُحْمَلُ ذَلِكَ عَلَى أَنَّهُ يَجِبُ فِيهِ ابْتِدَاءً، قَالَ فِي الذَّخِيرَةِ قَالَ فِي الْجَوَاهِرِ: يُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ مُسْلِمًا عَاقِلًا مُمَيِّزًا ذَكَرًا بَالِغًا عَدْلًا عَارِفًا بِالْأَوْقَاتِ صَيِّتًا حَسَنَ الصَّوْتِ انْتَهَى.
وَلَفْظُ الْجَوَاهِرِ: {الْفَصْلُ الثَّالِثِ فِي صِفَةِ الْمُؤَذِّنِ} يُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ مُسْلِمًا عَاقِلًا مُمَيِّزًا ذَكَرًا ثُمَّ تَكَلَّمَ عَلَى هَذِهِ الشُّرُوطِ، ثُمَّ قَالَ: وَيُسْتَحَبُّ الطَّهَارَةُ فِي الْأَذَانِ، ثُمَّ قَالَ: وَلْيَكُنْ الْمُؤَذِّنُ صَيِّتًا حَسَنَ الصَّوْتِ، ثُمَّ قَالَ: وَلْيَكُنْ عَدْلًا عَارِفًا بِالْأَوْقَاتِ لِتَقَلُّدِهِ عُهْدَتَهَا انْتَهَى. وَلَا إشْكَالَ فِي وُجُوبِ ذَلِكَ ابْتِدَاءً، قَالَ الْبُرْزُلِيُّ فِي مَسَائِلِ الصَّلَاةِ عَنْ السُّيُورِيِّ: يَلْزَمُ كُلَّ مَنْ قَدَرَ عَلَى إقَامَةِ الْحَقِّ إقَامَتُهُ، وَمِنْ إقَامَةِ الْحَقِّ أَنْ يُوَكِّلَ بِالْأَوْقَاتِ مَنْ يَفْهَمُ وَيَعْرِفُ الْأَوْقَاتَ كُلَّهَا مِمَّنْ يُوثَقُ بِهِ وَيُنْهَوْنَ عَنْ سَبْقِهِ فَإِنْ انْتَهَوْا وَإِلَّا تُوُعِّدُوا فَإِنْ عَادُوا سُجِنُوا، وَقَالَ أَبُو الطَّيِّبِ: وَمَنْ تَعَدَّى بَعْدَ النَّهْيِ عُوقِبَ ثُمَّ ذَكَرَ عَنْ التُّونُسِيِّ: إنَّ مَنْ لَمْ يَكُنْ عَارِفًا أَوْ كَانَ غَيْرَ مَأْمُونٍ لَا يُقْتَدَى بِهِ، وَيُنْهَى أَنْ يَبْتَدِئَ بِالْأَذَانِ أَشَدَّ النَّهْيِ فَإِنْ عَادَ أُدِّبَ أَدَبًا وَجِيعًا، وَقَالَ ابْنُ مُحْرِزٍ: لَا يَجُوزُ تَقْلِيدُهُ، وَمَنْ صَلَّى بِتَقْلِيدِهِ لَمْ تُجْزِهِ صَلَاتُهُ انْتَهَى.
الثَّانِي عَدَّ الشَّيْخُ يُوسُفُ بْنُ عُمَرَ الْحُرِّيَّةَ فِي شُرُوطِ الصِّحَّةِ، وَكَذَلِكَ الْعَدَالَةَ، وَمَعْرِفَةَ الْأَوْقَاتِ، وَلَمْ يَشْتَرِطْ أَحَدٌ فِي الْمُؤَذِّنِ الْحُرِّيَّةَ، فَيَصِحُّ أَذَانُ الْعَبْدِ، وَصَرَّحَ بِذَلِكَ صَاحِبُ الطِّرَازِ لَمَّا تَكَلَّمَ عَلَى أَذَانِ الصَّبِيِّ، وَذَكَرَهُ فِي النَّوَادِرِ وَفَضَّلَهُ عَلَى أَذَانِ الْأَعْرَابِيِّ، وَوَلَدِ الزِّنَا وَسَيَأْتِي لَفْظُهُ، وَذَكَرَهُ فِي الطِّرَازِ أَيْضًا وَالْقَرَافِيُّ فِي الذَّخِيرَةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
(الثَّالِثُ) قَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ فِي شَرْحِ قَوْلِ ابْنِ الْحَاجِبِ: وَشَرْطُ الْمُؤَذِّنِ أَنْ يَكُونَ مُسْلِمًا عَاقِلًا ذَكَرًا، وَفِي الصَّبِيِّ قَوْلَانِ فَلَا يُعْتَدُّ بِأَذَانِ كَافِرٍ، وَلَا مَجْنُونٍ، وَلَا سَكْرَانَ، وَلَا امْرَأَةٍ، هَذِهِ الشُّرُوطُ الْمَذْكُورَةُ فِي الْأَذَانِ مَا عَدَا الذُّكُورِيَّةَ. شَرْطٌ فِي الْإِقَامَةِ، قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: وَلَا يُؤَذِّنُ وَلَا يُقِيمُ إلَّا مَنْ احْتَلَمَ انْتَهَى.
(قُلْتُ) هَذَا الَّذِي ذَكَرَهُ عَنْ الْمُدَوَّنَةِ نَقَلَهُ ابْنُ عَرَفَةَ عَنْ الْمُدَوَّنَةِ أَيْضًا وَلَمْ أَرَ مَا ذَكَرَاهُ عَنْ الْمُدَوَّنَةِ فِيهَا وَلَفْظُ التَّهْذِيبِ: وَلَا يُؤَذِّنُ وَلَا يَؤُمُّ إلَّا مَنْ احْتَلَمَ، وَهَكَذَا فِي الْأُمِّ وَلَفْظُهَا: " وَلَا يُؤَذِّنُ إلَّا مَنْ احْتَلَمَ؛ لِأَنَّ الْمُؤَذِّنَ إمَامٌ وَلَا يَكُونُ مَنْ لَمْ يَحْتَلِمْ إمَامًا " انْتَهَى. وَعَلَى ذَلِكَ اخْتَصَرَهَا ابْنُ يُونُسَ وَصَاحِبُ الطِّرَازِ وَغَيْرُهُمَا نَعَمْ، قَالَ ابْنُ يُونُسَ، قَالَ فِي الْعُتْبِيَّةِ: لَا يُؤَذِّنُ الصَّبِيُّ وَلَا يُقِيمُ إلَّا أَنْ يَكُونَ مَعَ نِسَاءٍ أَوْ بِمَوْضِعٍ لَا يُوجَدُ غَيْرُهُ فَلْيُؤَذِّنْ وَيُقِيمُ. قَالَ فِي الْمَجْمُوعَةِ: فَإِنْ صَلَّى لِنَفْسِهِ فَلْيُقِمْ انْتَهَى. فَعُلِمَ مِنْ هَذَا أَنَّهُ يَشْتَرِطُ فِي الْمُقِيمِ لِلْجَمَاعَةِ الْبَالِغِينَ أَنْ يَكُونَ ذَكَرًا بَالِغًا، وَأَمَّا إذَا صَلَّى الصَّبِيُّ لِنَفْسِهِ فَإِنَّهُ يُقِيمُ، وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ.
ص (وَنُدِبَ مُتَطَهِّرٌ)
ش: يَعْنِي أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ لِلْمُؤَذِّنِ أَنْ يَكُونَ مُتَطَهِّرًا مِنْ الْحَدَثِ الْأَكْبَرِ وَالْأَصْغَرِ؛ لِأَنَّهُ دَاعٍ إلَى الصَّلَاةِ فَإِذَا كَانَ مُتَطَهِّرًا بَادَرَ إلَى مَا دَعَا إلَيْهِ، فَيَكُونُ كَالْعَالِمِ الْعَامِلِ إذَا تَكَلَّمَ انْتَفَعَ النَّاسُ بِعِلْمِهِ بِخِلَافِ مَا إذَا لَمْ يَكُنْ مُتَطَهِّرًا، قَالَهُ فِي التَّوْضِيحِ، قَالَ فِي الْجَوَاهِرِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.app/page/contribute