للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَتُسْتَحَبُّ الطَّهَارَةُ فِي الْأَذَانِ وَيَصِحُّ بِدُونِهَا، وَالْكَرَاهَةُ فِي الْجُنُبِ شَدِيدَةٌ وَفِي الْإِقَامَةِ أَشَدُّ، وَقَالَ سَحْنُونٌ: لَا بَأْسَ بِأَذَانِ الْجُنُبِ فِي غَيْرِ الْمَسْجِدِ انْتَهَى، وَقَالَ ابْنُ نَاجِي فِي شَرْحِ الْمُدَوَّنَةِ: قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الْمَجْمُوعَةِ: وَلَا يُؤَذِّنُ الْجُنُبُ، وَقَالَ سَحْنُونٌ: لَا بَأْسَ بِذَلِكَ فِي غَيْرِ الْمَسْجِدِ، قَالَ ابْنُ نَاجِي: حَمَلَ اللَّخْمِيُّ قَوْلَ ابْنِ الْقَاسِمِ عَلَى الْكَرَاهَةِ وَلِابْنِ نَافِعٍ مِثْلُ قَوْلِ سَحْنُونٍ وَبِهِ كَانَ شَيْخُنَا الشَّبِيبِيُّ يُفْتِي إلَى أَنْ مَاتَ، وَهُوَ الْأَقْرَبُ؛ لِأَنَّهُ ذِكْرٌ فَكَمَا لَا يُمْنَعُ مِنْ الْأَذْكَارِ اتِّفَاقًا غَيْرَ الْقُرْآنِ، فَكَذَا لَا يُمْنَعُ مِنْ الْأَذَانِ، وَعَلَى قَوْلِ ابْنِ مَسْلَمَةَ: إنَّ الْجُنُبَ يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَدْخُلَ الْمَسْجِدَ وَلَوْ كَانَ غَيْرَ عَابِرِ سَبِيلٍ يَجُوزُ لَهُ أَنْ يُؤَذِّنَ فِيهِ انْتَهَى. وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ: تُسْتَحَبُّ الطَّهَارَةُ لِلْمُؤَذِّنِ وَالْمُقِيمِ وَالِاسْتِحْبَابُ لِلْمُقِيمِ آكَدُ؛ لِأَنَّهُ لَا يُقِيمُ إلَّا مَنْ يُشَارِكُ الْجَمَاعَةَ فِي الصَّلَاةِ الَّتِي يُصَلُّونَ أَوْ مَنْ صَلَّى وَحْدَهُ فَإِذَا لَمْ يَكُنْ عَلَى طَهَارَةٍ احْتَاجَ إلَى أَنْ يَتَوَضَّأَ أَوْ يَغْتَسِلَ قَبْلَ أَنْ يَدْخُلَ فِي الصَّلَاةِ وَهَذِهِ تَفْرِقَةٌ كَثِيرَةٌ وَهَذَا الْمَعْنَى فِي الِاعْتِبَارِ يَخْتَصُّ بِهِ الْمُقِيمُ، وَقَدْ يَفْتَرِقُ حَالُ الْكَرَاهَةِ بِالْقُوَّةِ، وَالضَّعْفِ فِي حَقِّ مَنْ يُخَفِّفُ الْوُضُوءَ أَوْ كَانَ مُتَيَمِّمًا وَتَقَدَّمَ حُكْمُ أَذَانِ الْجُنُبِ انْتَهَى.

يُشِيرُ إلَى قَوْلِهِ: وَرَوَى أَبُو الْفَرَجِ جَوَازَهُ لِلْقَاعِدِ، وَكَذَلِكَ رَوَى فِي الْجُنُبِ كَمَذْهَبِ سَحْنُونٍ إذَا كَانَ فِي غَيْرِ الْمَسْجِدِ وَالْمَشْهُورُ خِلَافُهُ انْتَهَى. أَيْ فَلَا يَجُوزُ لَكِنَّ الْمُرَادَ بِذَلِكَ الْكَرَاهَةُ كَمَا تَقَدَّمَ وَفُهِمَ مِنْ كَلَامِ ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ أَنَّ التَّيَمُّمَ لِلصَّلَاةِ قَبْلَ الْإِقَامَةِ، وَهُوَ ظَاهِرٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

(فَرْعٌ) قَالَ فِي الطِّرَازِ: وَيُسْتَحَبُّ لِلْمُؤَذِّنِ أَنْ يَكُونَ عَلَى هَيْئَةٍ مُسْتَحْسَنَةٍ حَتَّى، قَالَ أَشْهَبُ فِي الْمَجْمُوعَةِ: مَنْ أَذَّنَ وَأَقَامَ فِي تُبَّانٍ مِنْ شَعْرٍ أَوْ سَرَاوِيلَ فَلْيُعِدْهُمَا إنْ لَمْ يُصَلُّوا، وَخَالَفَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ انْتَهَى. وَنَقَلَهُ فِي الذَّخِيرَةِ وَلَفْظُهُ: يُسْتَحَبُّ حُسْنُ الْهَيْئَةِ إلَخْ.

ص (صَيِّتٌ)

ش: الْمُرَادُ بِالصَّيِّتِ: الْمُرْتَفِعُ الصَّوْتُ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ الْأَذَانِ الْإِعْلَامُ وَإِذَا كَانَ صَيِّتًا كَانَ أَبْلَغَ فِي الْإِسْمَاعِ، وَيُسْتَحَبُّ فِيهِ أَنْ يَكُونَ حَسَنَ الصَّوْتِ كَمَا تَقَدَّمَ فِي كَلَامِ الْجَوَاهِرِ، وَصَرَّحَ بِهِ صَاحِبُ الْمَدْخَلِ وَابْنُ نَاجِي فِي حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدٍ «قُمْ يَا بِلَالُ فَنَادِ بِالصَّلَاةِ فَأَنْتَ أَنْدَى مِنْهُ صَوْتًا» ، قَالَ فِي الْإِكْمَالِ قِيلَ: أَرْفَعُ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ مَعْنَاهُ أَحْسَنَ وَفِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ: فَإِنَّكَ فَظِيعُ الصَّوْتِ، فَفِيهِ أَنَّهُ يُخْتَارُ لِلْأَذَانِ أَصْحَابُ الْأَصْوَاتِ النَّدِيَّةِ الْمُرْتَفِعَةِ الْمُسْتَحْسَنَةِ وَيُكْرَهُ فِي ذَلِكَ مَا فِيهِ غِلْظَةٌ أَوْ فَظَاعَةٌ أَوْ تَكَلُّفُ زِيَادَةٍ، وَلِذَلِكَ، قَالَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ: أَذِّنْ أَذَانًا سَمْحًا وَإِلَّا فَاعْتَزِلْنَا انْتَهَى.

وَفِي التَّوْضِيحِ وَرَوَى الدَّارَقُطْنِيّ «أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - كَانَ لَهُ مُؤَذِّنٌ يَطْرَبُ فِي أَذَانِهِ، فَقَالَ لَهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: الْأَذَانُ سَهْلٌ سَمْحٌ فَإِنْ كَانَ أَذَانُكَ سَهْلًا سَمْحًا فَأَذِّنْ وَإِلَّا فَلَا» انْتَهَى، وَقَالَ فِي النَّوَادِرِ وَالسُّنَّةُ أَنْ يَكُونَ مُرْسَلًا مُعْلَنًا يُرْفَعُ بِهِ الصَّوْتَ، وَعَدَّ الشَّيْخُ يُوسُفُ بْنُ عُمَرَ فِي الصِّفَاتِ الْمُسْتَحَبَّةِ أَنْ يَكُونَ غَيْرَ لَحَّانٍ، وَأَنْ يَكُونَ جَهِيرَ الصَّوْتِ، وَأَنْ يَكُونَ يَقُومُ بِأُمُورِ الْمَسْجِدِ، وَأَنْ يُؤَانِسَ الْغَرِيبَ، وَأَنْ لَا يَغْضَبَ عَلَى مَنْ أَذَّنَ فِي مَوْضِعِهِ أَوْ جَلَسَ فِي مَوْضِعِهِ، وَأَنْ يَكُونَ صَادِقَ الْقَوْلِ، وَيَحْفَظَ حَقَّهُ عَنْ ابْتِلَاعِ الْحَرَامِ، وَأَنْ يُؤَذِّنَ لِلَّهِ خَالِصًا، وَقَالَ ابْنُ الْفَاكِهَانِيِّ فِي شَرْحِ الرِّسَالَةِ فِي صِفَاتِ الْأَذَانِ: الْأُولَى أَنْ يُبَالِغَ فِي رَفْعِ الصَّوْتِ بِمَا لَمْ يَشُقَّ عَلَيْهِ إذْ الْمَقْصُودُ مِنْهُ الْإِعْلَامُ فَكُلَّمَا رَفَعَ صَوْتَهُ كَانَ أَبْلَغَ فِي الْمَقْصُودِ، الثَّانِيَةُ: أَنْ يَكُونَ مُتَرَسِّلًا أَيْ: مُتَمَهِّلًا مِنْ غَيْرِ تَمْطِيطٍ وَلَا مَدٍّ مُفْرِطٍ انْتَهَى. وَقَالَ فِي مُخْتَصَرِ الْوَقَارِ وَيَجْتَهِدُ مُؤَذِّنُو مَسَاجِدِ الْجَمَاعَاتِ فِي مَدِّ أَذَانِهِمْ وَرَفْعِ أَصْوَاتِهِمْ لِانْتِفَاعِ أَهْلِ الْبُيُوتِ وَلِاقْتِدَاءِ مُؤَذِّنِي الْعَشَائِرِ بِهِمْ انْتَهَى.

(فَرْعٌ) قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: وَيُكْرَهُ التَّطْرِيبُ فِي الْأَذَانِ، قَالَ فِي الطِّرَازِ وَالتَّطْرِيبُ تَقْطِيعُ الصَّوْتِ وَتَرْعِيدُهُ، وَأَصْلُهُ خِفَّةٌ تُصِيبُ الْمَرْءَ مِنْ شِدَّةِ الْفَرَحِ أَوْ مِنْ شِدَّةِ التَّحْزِينِ، وَهُوَ مِنْ الِاضْطِرَابِ أَوْ الطَّرِبَةِ، قَالَ فِي الْعُتْبِيَّةِ: التَّطْرِيبُ فِي الْأَذَانِ مُنْكَرٌ، قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: وَكَذَلِكَ التَّحْزِينُ

<<  <  ج: ص:  >  >>