بِصَلَاتِهِ جَالِسًا وَنَقَلَ الْقَرَافِيُّ كَلَامَ سَنَدٍ بِاخْتِصَارِهِ وَنَقَلَهُ عَنْهُ التَّادَلِيُّ وَفَهِمَ مِنْهُ عَكْسَ الْمَقْصُودِ لِأَنَّهُ قَالَ عَقِبَهُ: وَقَدْ يُقَالُ وَإِنْ كَانَ السُّجُودُ آكَدَ فَقَدْ تُرُخِّصَ فِيهِ فَلَأَنْ يُتَرَخَّصَ فِي الْقِيَامِ أَوْلَى لِكَوْنِهِ دُونَهُ انْتَهَى. وَالْمُوجِبُ لِذَلِكَ الِاخْتِصَارِ، وَقَالَ ابْنُ بَشِيرٍ إنَّهُ يُخْتَلَفُ فِيهِ عَلَى الْخِلَافِ فِي الْقِيَاسِ عَلَى الرُّخَصِ عَلَى مَا سَيَأْتِي إنْ شَاءَ اللَّهُ فِي كَلَامِهِ وَقَوْلُ اللَّخْمِيِّ فِي كِتَابِ الصَّلَاةِ وَيُكْرَهُ رُكُوبُ الْبَحْرِ إذَا كَانَ لَا يَقْدِرُ عَلَى الصَّلَاةِ إلَّا جَالِسًا انْتَهَى. فَعَلَى هَذَا لَا يَسْقُطُ فَرْضُ الْحَجِّ بِذَلِكَ لَكِنَّهُ خِلَافُ مَا مَشَى عَلَيْهِ الْمُؤَلِّفُ لِكَوْنِهِ قَالَ: رُكْنُ صَلَاةٍ فَأَطْلَقَ فِي ذَلِكَ وَإِطْلَاقُهُ مُوَافِقٌ لِمَا نَسَبَهُ اللَّخْمِيُّ فِي كِتَابِ الْحَجِّ لِمَالِكٍ وَقَبِلَهُ ابْنُ عَرَفَةَ كَمَا تَقَدَّمَ بَيَانُهُ فَتَحَصَّلَ مِنْ هَذَا أَنَّهُ إذَا كَانَ رُكُوبُ الْبَحْرِ يُؤَدِّي إلَى الْإِخْلَالِ بِالسُّجُودِ فَإِنَّهُ لَا يَرْكَبُهُ وَيَسْقُطُ عَنْهُ الْحَجُّ وَإِنْ رَكِبَهُ وَصَلَّى أَعَادَ أَبَدًا هَذَا هُوَ الْمَنْصُوصُ وَإِنْ أَدَّاهُ إلَى الصَّلَاةِ جَالِسًا فَمُقْتَضَى إطْلَاقِ الْمُصَنِّفِ وَإِطْلَاقِ الْبُرْزُلِيِّ وَمَا قَالَهُ ابْنُ أَبِي جَمْرَةَ: وَقِيَاسُ اللَّخْمِيِّ وَابْنِ عَرَفَةَ وَابْنِ فَرْحُونٍ ذَلِكَ عَلَى السُّجُودِ عَلَى ظَهْرِ أَخِيهِ أَنَّهُ كَذَلِكَ. وَمُقْتَضَى كَلَامِ اللَّخْمِيِّ وَكَلَامِ صَاحِبِ الطِّرَازِ أَنَّ ذَلِكَ لَا يُسْقِطُ وُجُوبَ الْحَجِّ وَلَا يُعِيدُ الصَّلَاةَ وَفِي الْمُدَوَّنَةِ وَالْعُتْبِيَّةِ: وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ الْقِيَامَ فِي السَّفِينَةِ يُصَلِّي جَالِسًا وَسَيَأْتِي كِلَاهُمَا فِي التَّنْبِيهِ الْأَوَّلِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
[تَنْبِيهَاتٌ رُكُوبُ الْبَحْرِ عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ]
(تَنْبِيهَاتٌ الْأَوَّلُ) رُكُوبُ الْبَحْرِ عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ كَمَا صَرَّحَ بِهِ اللَّخْمِيُّ وَابْنُ بَشِيرٍ وَابْنُ مُعَلَّى وَغَيْرُهُمْ جَائِزٌ فِي حَقِّ مَنْ يَعْلَمُ مِنْ نَفْسِهِ أَنَّهُ لَا يَمِيدُ وَلَا يُضَيِّعُ الصَّلَاةَ وَمَمْنُوعٌ فِي حَقِّ مَنْ يَعْلَمُ مِنْ نَفْسِهِ تَضْيِيعَ الصَّلَاةِ وَمَكْرُوهٌ فِي حَقِّ مَنْ يَشُكُّ فِي ذَلِكَ قَالَ ابْنُ بَشِيرٍ فِي كِتَابِ الصَّلَاةِ فَصْلٌ: وَرُكُوبُ الْبَحْرِ لِلْأَسْفَارِ مُبَاحٌ عَلَى الْجُمْلَةِ مَا لَمْ يَعْرِضْ عَارِضٌ يَمْنَعُ مِنْ رُكُوبِهِ وَمِنْ الْعَوَارِضِ الْإِخْلَالُ بِالصَّلَاةِ لِلْمَيْدِ فَمَنْ عَلِمَ مِنْ حَالِهِ أَنَّهُ يَمِيدُ حَتَّى تَفُوتَهُ الصَّلَاةُ فِي أَوْقَاتِهَا أَوْ لَا يَقْدِرُ عَلَى أَدَائِهَا جُمْلَةً فَإِنَّ الْمَنْصُوصَ مِنْ الْمَذْهَبِ أَنَّهُ لَا يَنْبَغِي لَهُ رُكُوبُهُ وَلَا إلَى حَجٍّ أَوْ جِهَادٍ وَهَذَا لِأَنَّهُ يَطْلُبُ فَرْضًا فَيُضَيِّعُ فُرُوضًا آكَدَ مِنْهُ وَإِنْ كَانَ يَقْدِرُ عَلَى الْأَدَاءِ بِإِخْلَالِ فَرْضٍ مِنْ فُرُوضِ الصَّلَاةِ وَالِانْتِقَالِ عَنْهُ إلَى بَدَلٍ كَمَنْ يَعْلَمُ أَنَّهُ لَا يُصَلِّي قَائِمًا هَذَا إنْ وَجَدَ عَنْهُ مَنْدُوحَةً لَمْ يَرْكَبْ وَإِنْ لَمْ يَجِدْ فَقَدْ يُخْتَلَفُ فِيهِ عَلَى الْخِلَافِ فِي الْقِيَاسِ عَلَى الرُّخَصِ فَمَنْ قَالَ بِهِ أَجَازَ رُكُوبَهُ كَمَا لَهُ أَنْ يَنْتَقِلَ عَنْ طَهَارَةِ الْمَاءِ إلَى التُّرَابِ فِي السَّفَرِ فِي الْمَفَازَاتِ وَإِنْ حَمَلَهُ عَلَى ذَلِكَ مُجَرَّدُ طَلَبِ الدُّنْيَا وَمَنْ مَنَعَ الْقِيَاسَ عَلَيْهَا مَنَعَهُ إذَا أَدَّى لِلْإِخْلَالِ بِبَعْضِ الْفُرُوضِ وَإِنْ شَكَّ فِي أَمْرِهِ هَلْ يَسْلَمُ مِنْ الْمَيْدِ أَمْ لَا فَقَدْ قَالُوا: يُكْرَهُ لَهُ الرُّكُوبُ وَلَا يُمْنَعُ لِأَنَّ الْأَصْلَ السَّلَامَةُ وَالْقُدْرَةُ عَلَى الْأَدَاءِ انْتَهَى. وَقَوْلُهُ كَمَا لَهُ أَنْ يَنْتَقِلَ عَنْ طَهَارَةِ الْمَاءِ إلَى التُّرَابِ فِي السَّفَرِ قَالَ ابْنُ نَاجِي فِي شَرْحِ الْمُدَوَّنَةِ وَقَدْ يُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا بِأَنَّ الطَّهَارَةَ شَرْطٌ وَالْقِيَامَ رُكْنٌ وَالشَّرْطُ خَارِجٌ وَالرُّكْنُ دَاخِلٌ وَفِيهِ نَظَرٌ اُنْظُرْهُ فِي كِتَابِ الصَّلَاةِ الثَّانِي.
وَقَوْلُهُ فِيمَا إذَا عَلِمَ أَنَّهُ يَمِيدُ لَا يَنْبَغِي فِيهِ مُسَامَحَةٌ بَلْ لَا يَجُوزُ كَمَا سَيَأْتِي وَقَالَ ابْنُ مُعَلَّى: لَا يَخْلُو رَاكِبُ الْبَحْرِ إمَّا أَنْ يَعْلَمَ أَنَّهُ يَمِيدُ بِحَيْثُ لَا يُصَلِّي فَيُمْنَعُ أَوْ لَا فَيَجُوزُ أَوْ يَشُكُّ فَقَوْلَانِ: الْجَوَازُ وَالْكَرَاهَةُ قَالَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ: وَالْأَظْهَرُ الْكَرَاهَةُ ثُمَّ ذَكَرَ كَلَامَ ابْنِ بَشِيرٍ فِيمَا إذَا كَانَ يُصَلِّي قَاعِدًا وَقَالَ إثْرَهُ: قَالَ بَعْضُ حُذَّاقِ الْمُتَأَخِّرِينَ أَمَّا لَوْ صَلَّى مُضْطَجِعًا فَلَا قِيَاسَ لِأَنَّ الِاضْطِجَاعَ بَدَلٌ عَنْ الْقُعُودِ الَّذِي هُوَ بَدَلٌ عَنْ الْقِيَامِ انْتَهَى. وَقَالَ الْبُرْزُلِيُّ فِي مَسَائِلِ ابْنِ قَدَّاحٍ: مَنْ غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ أَنَّهُ يَمِيدُ فِي الْبَحْرِ لَمْ يَجُزْ لَهُ السَّفَرُ فِيهِ الْبُرْزُلِيُّ مَعْنَاهُ أَنَّهُ يُؤَدِّي إلَى تَرْكِ الصَّلَاةِ أَوْ سُقُوطِ بَعْضِ أَرْكَانِهَا انْتَهَى. وَقَالَ اللَّخْمِيُّ فِي كِتَابِ الصَّلَاةِ: قَالَ مَالِكٌ: يُكْرَهُ رُكُوبُ الْبَحْرِ لِمَا يَدْخُلُ عَلَى الْإِنْسَانِ مِنْ نَقْصٍ فِي صَلَاتِهِ وَغَيْرِ ذَلِكَ الشَّيْخُ يَعْنِي نَفْسَهُ رُكُوبُ الْبَحْرِ عَلَى ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ: جَائِزٌ إذَا كَانَ يَعْلَمُ مِنْ شَأْنِهِ أَنَّهُ يَأْتِي بِفَرْضِهِ قَائِمًا وَلَا يَمِيدُ، وَمَكْرُوهٌ إذَا لَمْ تَتَقَدَّمْ لَهُ عَادَةٌ بِرُكُوبِهِ وَلَا يَعْلَمُ إذَا رَكِبَهُ هَلْ يَمِيدُ فَتَبْطُلُ صَلَاتُهُ أَمْ لَا وَلَا يُقَالُ أَنَّهُ مَمْنُوعٌ لِأَنَّ الْغَالِبَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.app/page/contribute