ابْنُ الْعَرَبِيِّ: هُوَ الَّذِي تَقْتَضِيهِ أُصُولُنَا وَبِهِ أَقُولُ، وَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ الطُّرْطُوشِيُّ عَنْ الْمَذْهَبِ اشْتِبَاهُ إنَاءِ بَوْلٍ كَمُتَنَجِّسٍ وَذَكَرَ الْمُصَنِّفُ أَنَّ الْحُكْمَ فِي الصُّورَتَيْنِ أَنَّهُ يَتَوَضَّأُ وَيُصَلِّي بِعَدَدِ النَّجِسِ وَزِيَادَةِ إنَاءٍ يَعْنِي أَنَّهُ يَتَوَضَّأُ مِنْ أَحَدِهِمَا ثُمَّ يُصَلِّي ثُمَّ يَتَوَضَّأُ مِنْ آخَرَ وَيُصَلِّي يَفْعَلُ ذَلِكَ بِعَدَدِ النَّجِسِ وَزِيَادَةِ وَاحِدٍ فَإِذَا كَانَتْ الْأَوَانِي خَمْسَةً وَالنَّجِسُ مِنْهَا اثْنَانِ فَيَتَوَضَّأُ مِنْ ثَلَاثَةٍ مِنْهَا وَيُصَلِّي بِكُلِّ وُضُوءٍ صَلَاةً، وَإِنْ كَانَ النَّجِسُ ثَلَاثَةً تَوَضَّأَ مِنْ أَرْبَعَةٍ مِنْهَا وَصَلَّى بِكُلِّ وُضُوءٍ صَلَاةً، وَإِنْ كَانَ النَّجِسُ أَرْبَعَةً تَوَضَّأَ مِنْهَا جَمِيعَهَا وَصَلَّى، كَذَلِكَ قَالَ فِي التَّوْضِيحِ وَهَذَا هُوَ الْقَوْلُ الصَّحِيحُ.
(وَحَاصِلُ) مَا ذَكَرُوهُ مِنْ الْخِلَافِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ خَمْسَةُ أَقْوَالٍ فِيمَا عَلِمْتَ: الْأَوَّلُ مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَهُوَ الصَّحِيحُ وَعَزَاهُ ابْنُ عَرَفَةَ لِسَحْنُونٍ فِي أَحَدِ قَوْلَيْهِ وَابْنِ الْمَاجِشُونِ.
(الثَّانِي) كَالْأَوَّلِ بِزِيَادَةِ وَيَغْسِلُ مَا أَصَابَهُ مِنْ الْمَاءِ الْأَوَّلِ بِالْمَاءِ الثَّانِي ثُمَّ يَتَوَضَّأُ مِنْهُ وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ مَسْلَمَةَ قَالَ فِي الْجَوَاهِرِ قَالَ الْأَصْحَابُ وَهُوَ الْأَشْبَهُ بِقَوْلِ مَالِكٍ وَاخْتَارَهُ الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ زَادَ فِي التَّوْضِيحِ فِي نَقْلِهِ لِهَذَا الْقَوْلِ فَإِنْ لَمْ يَغْسِلْ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ النَّجَاسَةَ غَيْرُ مُحَقَّقَةٍ.
(الثَّالِثُ) يَتَحَرَّى أَحَدَهُمَا وَيَتَوَضَّأُ بِهِ وَيُصَلِّي وَتَحَرِّيهِ كَمَا يَتَحَرَّى فِي الْقِبْلَةِ وَهُوَ قَوْلٌ لِمُحَمَّدِ بْنِ الْمَوَّازِ وَابْنِ سَحْنُونٍ قَالَ فِي التَّوْضِيحِ قَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ وَهُوَ الصَّحِيحُ.
الرَّابِعُ كَقَوْلِ ابْنِ مَسْلَمَةَ إنْ قَلَّتْ الْأَوَانِي وَكَقَوْلِ ابْنِ الْمَوَّازِ وَابْنِ سَحْنُونٍ إنْ كَثُرَتْ وَهُوَ قَوْلُ الْقَاضِي أَبِي الْحَسَنِ بْنِ الْقَصَّارِ.
(الْخَامِسُ) يَتْرُكُ الْجَمِيعَ وَيَتَيَمَّمُ وَهُوَ قَوْلُ سَحْنُونٍ الثَّانِي، وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ أَنَّهُ لَا يَحْتَاجُ إلَى أَنْ يُرِيقَهَا قَبْلَ تَيَمُّمِهِ قَالَ صَاحِبُ الْجَمْعِ ظَاهِرُ كَلَامِ الشَّافِعِيَّةِ أَنَّهُ يُرِيقُهَا وَيَتَيَمَّمُ لِتَحَقُّقِ عَدَمِ الْمَاءِ وَسَحْنُونٌ جَعَلَ وُجُودَهَا كَالْعَدَمِ.
(تَنْبِيهَاتٌ الْأَوَّلُ) قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ عَزْوُ الْبَاجِيِّ، وَمَنْ تَبِعَهُ: التَّفْصِيلَ الْمَذْكُورَ فِي الْقَوْلِ الرَّابِعِ لِابْنِ الْقَصَّارِ يَقْتَضِي أَنَّ ابْنَ مَسْلَمَةَ أَطْلَقَ الْقَوْلَ بِأَنَّهُ يَتَوَضَّأُ بِعَدَدِ النَّجِسِ وَزِيَادَةِ إنَاءٍ وَيَغْسِلُ أَعْضَاءَهُ مِمَّا سَبَقَ وَنَقَلَهُ عَنْهُ الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي زَيْدٍ مُقَيِّدًا، فَقَالَ إلَّا أَنْ تَكْثُرَ الْمِيَاهُ فَلَا يَغْتَسِلُ ثَلَاثِينَ مَرَّةً اهـ. وَلَعَلَّ لَهُ قَوْلَيْنِ.
(الثَّانِي) ذَكَرَ ابْنُ شَاسٍ وَابْنُ الْحَاجِبِ الْقَوْلَ الْأَوَّلَ الَّذِي مَشَى عَلَيْهِ الْمُصَنِّفُ بِلَفْظِ قَالَ سَحْنُونٌ وَابْنُ الْمَاجِشُونِ يَتَوَضَّأُ وَيُصَلِّي حَتَّى يَفْرُغَ فَفَسَّرَهُ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ بِأَنَّهُ يَتَطَهَّرُ بِالْجَمِيعِ ثُمَّ اعْتَرَضَهُ بِأَنَّهُ بَقِيَ عَلَيْهِ قَوْلُ مَنْ قَالَ إنَّهُ يَتَوَضَّأُ بِعَدَدِ النَّجَسِ وَزِيَادَةِ إنَاءٍ مِثْلُ مَا قِيلَ: فِي الثِّيَابِ وَهُوَ الْأَوْلَى؛ لِأَنَّهُ يُمْكِنُ مَعَهُ الْوُصُولُ إلَى تَعْيِينِ الطَّهَارَةِ، وَاعْتَرَضَ ابْنُ عَرَفَةَ عَلَى ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ بِأَنَّ مَا قَالَهُ وَهْمٌ بَيِّنٌ؛ لِأَنَّهُ فَسَّرَهُ بِظَاهِرٍ فَاسِدٍ وَقَبِلَهُ مَعَ يَسِيرِ تَقْيِيدِهِ إذْ لَا يَقُولُ أَحَدٌ فِي أَوَانٍ ثَلَاثٍ أَحَدُهَا نَجِسٌ: إنَّهُ يَتَوَضَّأُ وَيُصَلِّي بِعَدَدِهَا اهـ. وَقَدْ أَشَارَ إلَى هَذَا فِي التَّوْضِيحِ، فَقَالَ لَا يَنْبَغِي أَنْ يُفْهَمَ الْخِلَافُ عَلَى الْإِطْلَاقِ إذْ أَنَّهُ إذَا كَانَ مَعَهُ عَشَرَةُ أَوَانٍ فِيهَا وَاحِدٌ نَجِسٌ فَمَا وَجْهُ التَّيَمُّمِ وَمَعَهُ مَاءٌ مُحَقَّقُ الطَّهَارَةِ وَهُوَ قَادِرٌ عَلَى اسْتِعْمَالِهِ وَمَا وَجْهُ مَنْ يَقُولُ يُسْتَعْمَلُ الْجَمِيعُ وَنَحْنُ نَقْطَعُ إذَا اسْتَعْمَلَ إنَاءَيْنِ تَبْرَأُ ذِمَّتَهُ وَإِنَّمَا يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ مَحَلُّ الْأَقْوَالِ إذَا لَمْ يَتَحَقَّقْ عَدَمُ النَّجِسِ مِنْ الطَّاهِرِ، أَوْ تَعَدَّدَ النَّجِسُ وَاتَّحَدَ الطَّاهِرُ اهـ.
(الثَّالِثُ) ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ أَنَّهُ لَا يَحْتَاجُ إلَى غَسْلِ مَا أَصَابَهُ مِنْ الْمَاءِ الْأَوَّلِ بِالْمَاءِ الَّذِي بَعْدَهُ وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ غَيْرِ وَاحِدٍ كَابْنِ شَاسٍ وَابْنِ الْحَاجِبِ وَابْنِ عَرَفَةَ وَذَكَرَ صَاحِبُ الْجَمْعِ عَنْ ابْنِ هَارُونَ أَنَّهُ قَالَ: عِنْدِي أَنَّ قَوْلَ ابْنِ مَسْلَمَةَ يَغْسِلُ أَعْضَاءَهُ مِمَّا أَصَابَهُ مِنْ الْمَاءِ الْأَوَّلِ بِالْمَاءِ الَّذِي بَعْدَهُ مُوَافِقٌ لِقَوْلِ سَحْنُونٍ وَابْنِ الْمَاجِشُونِ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ خِلَافًا، وَإِنَّهُمَا يَرَيَانِ غَسْلَ الْوُضُوءِ كَافِيًا فِي زَوَالِ النَّجَاسَةِ مِمَّا قَبْلَهُ وَهُوَ يَرَى أَنَّ الْوُضُوءَ لَا يَصِحُّ إلَّا عَلَى أَعْضَاءٍ طَاهِرَةٍ كَابْنِ الْجَلَّابِ، قَالَ صَاحِبُ الْجَمْعِ: وَالظَّاهِرُ مِنْ نَقْلِ الشُّيُوخِ أَنَّهُمَا مُخَالِفَانِ لِابْنِ مَسْلَمَةَ وَإِنَّمَا تَرَكَ الْغَسْلَ لِعَدَمِ تَحَقُّقِ نَجَاسَةِ مَا تَطْهُرُ بِهِ وَلِأَنَّ