شَرْحِ الرِّسَالَةِ بِمَا قَالَهُ ابْنُ جَمَاعَةَ فَقَالَ: وَلَا يُجْزِئُ النَّضْحُ فِي الْأَرْضِ بِحَالٍ وَمَا ذَكَرَهُ ابْنُ عَرَفَةَ عَنْ بَعْضِ شُيُوخِهِ أَنَّ الْبُقْعَةَ كَالْجَسَدِ وَأَنَّهُ نَقَلَهُ عَنْ قَوَاعِدِ عِيَاضٍ إنْ أَرَادَ بِكَوْنِهَا كَالْجَسَدِ أَنَّهَا تُنْضَحُ وَهُوَ مِمَّنْ يَرَى النَّضْحَ فِي الْجَسَدِ فَهُوَ كَذَلِكَ لَكِنَّهُ فِي الْقَوَاعِدِ جَعَلَهَا مُخَالِفَةً لِلْجَسَدِ فَإِنَّهُ حَكَى فِي الْجَسَدِ الْخِلَافَ وَلَمْ يَحْكِ فِيهَا خِلَافًا، وَإِنْ أَرَادَ بِكَوْنِهَا كَالْجَسَدِ أَنَّ فِيهَا الْخِلَافَ كَمَا فِيهِ فَلَيْسَ ذَلِكَ فِي الْقَوَاعِدِ، وَنَصُّهَا: الْمُزَالُ عَنْهُ النَّجَاسَةُ ثَلَاثَةُ أَشْيَاءَ جَسَدُ الْمُصَلِّي وَمَا هُوَ حَامِلٌ لَهُ مِنْ لِبَاسٍ وَخُفٍّ وَسَيْفٍ وَشِبْهِهِ وَمَا هُوَ مُصَلٍّ عَلَيْهِ مِنْ أَرْضٍ، أَوْ غَيْرِهَا فَالنَّضْحُ يَخْتَصُّ بِكُلِّ مَا شَكَّ فِيهِ وَلَمْ تَتَحَقَّقْ نَجَاسَةٌ مِنْ جَمِيعِ ذَلِكَ إلَّا الْجَسَدَ فَقِيلَ: يُنْضَحُ، وَقِيلَ: يُغْسَلُ بِخِلَافِ غَيْرِهِ انْتَهَى.
وَفُهِمَ مِنْ كَلَامِهِ فِي الْقَوَاعِدِ أَنَّ الْخُفَّ وَالنَّعْلَ وَنَحْوَهُمَا يُنْضَحَانِ إذَا شَكَّ فِي نَجَاسَتِهِمَا وَهُوَ وَهْمٌ ظَاهِرٌ، وَقَالَ الْمَشَذَّالِيُّ فِي حَاشِيَتِهِ عَلَى الْمُدَوَّنَةِ عَنْ الْوَانُّوغِيِّ فِي قَوْلِهِ " وَهُوَ طَهُورٌ لِكُلِّ مَا شُكَّ فِيهِ ": لَا خَفَاءَ فِي عَدَمِ صِدْقِ هَذِهِ الْكُلِّيَّةِ لِمَنْ شَذَّا طَرَفًا مِنْ التَّحْصِيلِ لِنَقْضِهَا بِالْأَرْضِ وَالْمَاءِ وَالطَّعَامِ، قَالَ الْمَشَذَّالِيُّ: أَمَّا الْأَرْضُ فَذَكَرَ ابْنُ عَرَفَةَ إلَى آخِرِ مَا تَقَدَّمَ عَنْهُ. وَأَمَّا الْمَطْعُومَاتُ فَقَدْ تَرَدَّدَ فِيهَا بَعْضُ الْمُحَقِّقِينَ مِنْ شُيُوخِ شُيُوخِنَا انْتَهَى. وَلَمْ يَذْكُرْ الْمَاءَ.
(قُلْتُ:) وَلَا شَكَّ أَنَّهُ طَاهِرٌ مُطَهِّرٌ عَلَى الْمَشْهُورِ؛ لِأَنَّا لَوْ تَحَقَّقْنَا الْإِصَابَةَ وَلَمْ يَتَغَيَّرْ الْمَاءُ، وَلَا لَوْنُهُ، وَلَا رِيحُهُ فَهُوَ طَاهِرٌ مُطَهِّرٌ غَايَةُ مَا فِيهِ أَنَّهُ يُكْرَهُ اسْتِعْمَالُهُ إذَا كَانَ يَسِيرًا كَآنِيَةِ الْوُضُوءِ وَالْغُسْلِ هَذَا مَعَ التَّحْقِيقِ وَالظَّاهِرُ انْتِفَاءُ الْكَرَاهَةِ مَعَ الشَّكِّ، وَقَدْ قَالُوا فِيمَنْ أَدْخَلَ يَدَهُ فِي الْإِنَاءِ قَبْلَ أَنْ يَغْسِلَهَا: إنَّهُ لَا يَنْجَسُ بِذَلِكَ الْمَاءُ، وَإِنْ شَكَّ فِي نَجَاسَتِهَا وَلَا يُعْتَرَضُ عَلَى ذَلِكَ بِكَرَاهَةِ سُؤْرِ مَا لَا يَتَوَقَّى النَّجَاسَةَ؛ لِأَنَّ الْغَالِبَ عَلَيْهِ النَّجَاسَةُ وَلَيْسَ فِي مَسْأَلَتِنَا إلَّا الشَّكُّ إذَا تَغَيَّرَ الْمَاءُ وَشُكَّ فِي مُغَيِّرِهِ هَلْ يَضُرُّ أَمْ لَا فَإِنَّهُ طَهُورٌ. وَأَمَّا الْمَطْعُومَاتُ فَالْأَمْرُ فِيهَا أَظْهَرُ، وَقَدْ قَالُوا فِي سُؤْرِ مَا لَا يَتَوَقَّى النَّجَاسَةَ مِنْ الطَّعَامِ إنَّهُ لَا يُطْرَحُ قَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ: لِأَنَّ أَصْلَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ إنَّمَا هُوَ الشَّكُّ وَالطَّعَامُ لَا يُطْرَحُ بِالشَّكِّ، وَاَللَّهُ - تَعَالَى - أَعْلَمُ.
(الرَّابِعُ) إذَا تَحَقَّقَتْ الْإِصَابَةُ لِلْجَسَدِ وَشُكَّ فِي نَجَاسَةِ الْمُصِيبِ لَمْ أَرَ فِي ذَلِكَ نَصَّا صَرِيحًا وَالظَّاهِرُ أَنَّا إنْ قُلْنَا إنَّهُ كَالثَّوْبِ فَلَا إشْكَالَ، وَإِنْ قُلْنَا حُكْمُهُ الْغَسْلُ فَإِنْ مَشَيْنَا عَلَى الْمَشْهُورِ وَأَنَّهُ لَا يَجِبُ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ نَضْحٌ فَكَذَلِكَ الْجَسَدُ، وَإِنْ قُلْنَا يَجِبُ النَّضْحُ فَيَنْبَغِي أَنْ يَجِبَ غَسْلُ الْجَسَدِ، فَتَأَمَّلْهُ، وَاَللَّهُ - تَعَالَى - أَعْلَمُ.
ص (وَإِنْ اشْتَبَهَ طَهُورٌ بِمُتَنَجِّسٍ، أَوْ نَجِسٍ صَلَّى بِعَدَدِ النَّجِسِ وَزِيَادَةِ إنَاءٍ)
ش: هَذِهِ مَسْأَلَةُ اشْتِبَاهِ الْأَوَانِي وَالْخِلَافُ فِيهَا شَهِيرٌ كَثِيرٌ وَالْأَوَانِي جَمْعُ آنِيَةٍ وَآنِيَةٌ جَمْعُ إنَاءٍ وَذَكَرَ الْمُصَنِّفُ صُورَتَيْنِ: الْأُولَى: إنْ اشْتَبَهَ الطَّهُورُ بِالْمُتَنَجِّسِ وَذَلِكَ عَلَى أَوْجُهٍ فَإِمَّا أَنْ يَكُونَ أَحَدُ الْأَوَانِي وَقَعَتْ فِيهِ نَجَاسَةٌ كَثِيرَةٌ تُغَيِّرُهُ وَلَمْ يَعْلَمْ تَغَيُّرَ الْمَاءِ الَّذِي فِي الْأَوَانِي جَمِيعِهَا بِقَرَارِهِ، أَوْ بِمَا يَتَوَلَّدُ مِنْهُ، أَوْ تَكُونُ الْأَوَانِي مُتَغَيِّرَةً تَغَيُّرًا وَاحِدًا بَعْضُهَا بِشَيْءٍ طَاهِرٍ لَمْ يَسْلُبْهُ التَّطْهِيرَ وَبَعْضُهَا بِشَيْءِ نَجِسٍ كَانَ مُتَغَيِّرًا، أَحَدُهُمَا بِتُرَابٍ طَاهِرٍ طُرِحَ فِيهِ وَالْآخَرُ بِتُرَابٍ نَجِسٍ طُرِحَ فِيهِ، أَوْ يَكُونَ الْمَاءُ يَسِيرًا حَلَّتْهُ نَجَاسَةٌ لَمْ تُغَيِّرْهُ عَلَى الْقَوْلِ بِنَجَاسَتِهِ.
وَالصُّورَةُ الثَّانِيَةُ: أَنْ يَشْتَبِهَ الطَّهُورُ بِالنَّجِسِ كَمَا إذَا اشْتَبَهَ الْمَاءُ بِالْبَوْلِ الْمَقْطُوعِ الرَّائِحَةِ الْمُوَافِقِ لِصِفَةِ الْمَاءِ وَإِنَّمَا بَيَّنَّا تَعَدُّدَ وُجُوهِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ؛ لِأَنَّ ابْنَ عَبْدِ السَّلَامِ قَالَ لَمْ يَتَعَرَّضْ ابْنُ الْحَاجِبِ لِكَيْفِيَّةِ تَصْوِيرِ الْمَسْأَلَةِ وَهُوَ الْأَصْلُ إذْ لَا يَلْزَمُ الْعَالِمَ أَنْ يُبَيِّنَ صُورَةَ مَسْأَلَةٍ فِي جُزْئِيَّةٍ إلَّا بِحَسَبِ التَّبَرُّعِ وَتَقْرِيبِ الْبَيَانِ لَكِنَّ مَسْأَلَةَ الْأَوَانِي يَنْبَغِي أَنْ لَا تُهْمَلَ مِنْ فَرْضِهَا فِي جُزْئِيَّةٍ، أَوْ أَكْثَرَ إنْ أَمْكَنَ لِاعْتِقَادِ بَعْضِهِمْ صِحَّةَ فَرْضِهَا عَلَى الْمَشْهُورِ وَإِنَّمَا يَصِحُّ فَرْضُهَا عَلَى مَذْهَبِ مَنْ يَرَى أَنَّ الْمَاءَ الْيَسِيرَ إذَا حَلَّتْهُ نَجَاسَةٌ يَسِيرَةٌ وَلَمْ تُغَيِّرْهُ أَنَّهُ يَكُونُ نَجِسًا اهـ.
وَاعْلَمْ أَنَّ الْخِلَافَ مَنْصُوصٌ فِي الصُّورَةِ الْأُولَى. وَأَمَّا الثَّانِيَةُ فَخَرَّجَهَا الْقَاضِي عَبْدُ الْوَهَّابِ عَلَى الْأُولَى وَرَأَى أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَهُمَا، وَقَالَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.app/page/contribute