للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إلَى الْخُرُوجِ مَعَ مَحْرَمِهِ كَالزَّوْجِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

(الْحَادِيَ عَشَرَ) اخْتَلَفَ رُوَاةُ الْحَدِيثِ فِي مُدَّةِ السَّفَرِ الْمَمْنُوعِ فَرُوِيَ يَوْمٌ وَلَيْلَةٌ وَرُوِيَ فَوْقَ ثَلَاثٍ وَرُوِيَ مَسِيرَةُ ثَلَاثٍ وَرُوِيَ يَوْمَانِ وَرُوِيَ مَسِيرَةُ لَيْلَةٍ وَرُوِيَ مَسِيرَةُ يَوْمٍ وَرُوِيَ «لَا تُسَافِرُ امْرَأَةٌ إلَّا مَعَ ذِي مَحْرَمٍ» وَهَذِهِ كُلُّهَا فِي مُسْلِمٍ وَرُوِيَ بَرِيدٌ وَهِيَ عِنْدَ أَبِي دَاوُد وَالْبَرِيدُ مَسِيرَةُ نِصْفِ يَوْمٍ قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: وَقَدْ حَمَلُوا هَذَا الِاخْتِلَافَ عَلَى حَسَبِ اخْتِلَافِ السَّائِلِينَ وَاخْتِلَافِ الْمَوَاطِنِ فَإِنَّ ذَلِكَ مُعَلَّقٌ بِأَقَلَّ مَا يَقَعُ عَلَيْهِ اسْمُ السَّفَرِ انْتَهَى. وَنَقَلَهُ ابْنُ فَرْحُونٍ قَالَ النَّوَوِيُّ: قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: كَأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سُئِلَ عَنْ امْرَأَةٍ تُسَافِرُ ثَلَاثًا بِغَيْرِ مَحْرَمٍ فَقَالَ: لَا وَسُئِلَ عَنْ سَفَرِهَا يَوْمَيْنِ بِغَيْرِ مَحْرَمٍ فَقَالَ: لَا وَسُئِلَ عَنْ سَفَرِهَا يَوْمًا فَقَالَ: لَا وَكَذَلِكَ الْبَرِيدُ فَأَدَّى كُلَّ مَا سَمِعَهُ وَمَا جَاءَ مُخْتَلِفًا عَنْ رَاوٍ وَاحِدٍ فَسَمِعَهُ فِي مَوَاطِنَ، وَكُلُّهُ صَحِيحٌ وَلَيْسَ فِي هَذَا كُلِّهِ تَحْدِيدٌ لِأَقَلَّ مَا يَقَعُ عَلَيْهِ اسْمُ السَّفَرِ وَلَمْ يُرِدْ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تَحْدِيدَ أَقَلِّ مَا يُسَمَّى سَفَرًا فَالْحَاصِلُ أَنَّ كُلَّ مَا يُسَمَّى سَفَرًا نَهَى عَنْهُ الْمَرْأَةَ بِغَيْرِ زَوْجٍ وَمَحْرَمٍ سَوَاءٌ كَانَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ أَوْ يَوْمَيْنِ أَوْ يَوْمًا أَوْ بَرِيدًا أَوْ غَيْرَ ذَلِكَ كَرِوَايَةِ ابْنِ عَبَّاسٍ الْمُطْلَقَةِ وَهِيَ إحْدَى رِوَايَاتِ مُسْلِمٍ «لَا تُسَافِرُ امْرَأَةٌ إلَّا مَعَ ذِي مَحْرَمٍ» وَهَذَا شَرْحِ مُسْلِمٍ فِي كِتَابِ الْحَجِّ.

وَقَالَ فِي الْإِكْمَالِ وَقَدْ يُمْكِنُ أَنْ يُلَفَّقَ بَيْنَهَا بِأَنَّ الْيَوْمَ الْمَذْكُورَ مُفْرَدٌ أَوْ اللَّيْلَةَ الْمَذْكُورَةَ مُفْرَدَةٌ بِمَعْنَى اللَّيْلَةِ وَالْيَوْمِ الْمَجْمُوعَيْنِ لِأَنَّ اللَّيْلَ مِنْ الْيَوْمِ وَالْيَوْمَ مِنْ اللَّيْلِ وَيَكُونُ ذِكْرُهُ يَوْمَيْنِ مُدَّةَ مَغِيبِهَا فِي هَذَا السَّفَرِ فِي السَّيْرِ وَالرُّجُوعِ فَأَشَارَ مَرَّةً لِمُدَّةِ السَّفَرِ وَمَرَّةً لِمُدَّةِ الْمَغِيبِ، وَهَكَذَا ذِكْرُ الثَّلَاثِ فَقَدْ يَكُونُ الْيَوْمُ الْوَسَطُ الَّذِي بَيْنَ السَّفَرِ وَالرُّجُوعِ الَّذِي تَقْضِي فِيهِ حَاجَتَهَا فَتَتَّفِقُ عَلَى هَذَا الْأَحَادِيثُ وَقَدْ يَكُونُ هَذَا كُلُّهُ تَمْثِيلًا لِأَقَلِّ الْأَعْدَادِ لِلْوَاحِدِ إذْ الْوَاحِدُ أَوَّلُ الْعَدَدِ وَأَقَلُّهُ الِاثْنَانِ أَوَّلُ الْكَثْرَةِ وَأَقَلُّهَا وَالثَّلَاثُ أَوَّلُ الْجَمْعِ فَكَأَنَّهُ أَشَارَ إلَى مِثْلِ هَذَا فِي قِلَّةِ الزَّمَنِ لَا يَحِلُّ لَهَا السَّفَرُ فِيهِ مَعَ غَيْرِ ذِي مَحْرَمٍ فَكَيْفَ بِمَا زَادَ وَلِهَذَا قَالَ فِي الْحَدِيثِ الْآخَرِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ فَصَاعِدًا انْتَهَى، وَقَالَ الْقَاضِي عَبْدُ الْوَهَّابِ فِي شَرْحِ قَوْلِ الرِّسَالَةِ: وَلَا يَنْبَغِي أَنْ تُسَافِرَ الْمَرْأَةُ مَعَ غَيْرِ ذِي مَحْرَمٍ مِنْهَا سَفَرَ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ وَالْفَرْقُ بَيْنَ مَا دُونَ الْيَوْمِ وَاللَّيْلَةِ وَبَيْنَهُمَا هُوَ أَنَّهَا لَوْ مُنِعَتْ مِنْ السَّفَرِ وَالسَّيْرِ فِي الْأَرْضِ جُمْلَةً إلَّا مَعَ ذِي مَحْرَمٍ لَشَقَّ ذَلِكَ عَلَيْهَا وَضَاقَ وَأَدَّى إلَى فَوَاتِ أَكْثَرِ حَوَائِجِهَا وَكَأَنَّ الْكَثِيرَ مَمْنُوعَةٌ مِنْهُ فَاحْتِيجَ إلَى مُدَّةٍ تُضْرَبُ لِلْفَرْقِ بَيْنَ الْقَلِيلِ وَالْكَثِيرِ فَوَجَدْنَا الْيَوْمَ أَوْ اللَّيْلَةَ أَوَّلَ حَدٍّ ضُرِبَ لِتَغَيُّرِ هَيْئَةٍ مِنْ هَيْئَاتِ السَّفَرِ وَهِيَ الْقَصْرُ وَالْفِطْرُ وَالصَّلَاةُ عَلَى الرَّاحِلَةِ فَاعْتُبِرَ سَفَرُ الْمَرْأَةِ بِهِ انْتَهَى.

وَقَالَ الْجُزُولِيُّ: قَوْلُهُ: وَلَا يَنْبَغِي أَيْ لَا يَجُوزُ وَانْظُرْ قَوْلَهُ يَوْمٌ وَلَيْلَةٌ هَلْ لَهُ مَفْهُومٌ وَأَنَّهُ إذَا كَانَ أَقَلَّ يَجُوزُ أَنْ تُسَافِرَ مَعَ غَيْرِ ذِي مَحْرَمٍ فَيَكُونَ مُعَارِضًا لِقَوْلِهِ؟ وَلَا يَخْلُو رَجُلٌ وَامْرَأَةٌ لَيْسَتْ مِنْهُ بِمَحْرَمٍ إلَى آخِرِهِ أَمْ لَا مَفْهُومَ لَهُ قَالَ الْفَقِيهُ أَبُو عُمَرَ: إنَّمَا تَكَلَّمَ هُنَا عَلَى الْجَمَاعَةِ، فَقَالَ: لَا يَجُوزُ أَنْ تُسَافِرَ مَعَ الْجَمَاعَةِ أَكْثَرَ مِنْ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ وَيَجُوزُ أَنْ تُسَافِرَ مَعَهُمْ أَقَلَّ مِنْ ذَلِكَ وَأَمَّا مَعَ الْوَاحِدِ فَلَا يَجُوزُ مُطْلَقًا ثُمَّ قَالَ: قَالَ أَبُو عُمَرَ بْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: وَرَدَ فِي الْبَابِ أَحَادِيثُ مُخْتَلِفَةٌ فَذَكَرَهَا ثُمَّ قَالَ: اخْتِلَافُ الْجَوَابِ عَلَى اخْتِلَافِ السُّؤَالِ وَالصَّحِيحُ أَنْ لَا تُسَافِرَ مَعَهُ يَعْنِي غَيْرَ الْمَحْرَمِ أَصْلًا، قَالَ عَبْدُ الْوَهَّابِ: أَمَّا أَقَلُّ مِنْ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ فَيَجُوزُ أَنْ تُسَافِرَ مَعَ غَيْرِ ذِي مَحْرَمٍ مِنْهَا، ثُمَّ قَالَ: وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ عَبْدُ الْوَهَّابِ إذَا كَانُوا جَمَاعَةً وَأَمَّا مَعَ الْوَاحِدِ فَلَا انْتَهَى.

وَنَقَلَ الشَّيْخُ يُوسُفُ بْنُ عُمَرَ وَالزَّنَاتِيُّ كَلَامَ عَبْدِ الْوَهَّابِ الْمُتَقَدِّمَ فَتَحَصَّلَ مِنْ سَفَرِهَا أَقَلَّ مِنْ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ: قَوْلَانِ وَالظَّاهِرُ مَا قَالَهُ فِي التَّوْضِيحِ وَغَيْرِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

(الثَّانِيَ عَشَرَ) قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لَا يَحِلُّ لِامْرَأَةٍ نَكِرَةٌ فِي سِيَاقِ النَّفْيِ فَتَعُمُّ وَهُوَ قَوْلُ الْجُمْهُورِ، وَقَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا: تَخْرُجُ مِنْهُ الْمُتَجَالَّةُ؛ لِأَنَّهَا كَالرَّجُلِ وَرُدَّ بِأَنَّ الْخَلْوَةَ بِهَا مَمْنُوعَةٌ انْتَهَى.

<<  <  ج: ص:  >  >>