سَنَدٌ قَوْلَ ابْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ عَلَى الْكَرَاهَةِ انْتَهَى كَلَامُ التَّوْضِيحِ. وَمَا ذَكَرَهُ عَنْ سَنَدٍ هُوَ كَذَلِكَ لَكِنْ بَعِيدٌ إنْ تَأَوَّلَهُ عَلَى مَا تَأَوَّلَهُ عَلَيْهِ الْقَاضِي وَنَصُّهُ: إذَا ثَبَتَ أَنَّ الْمَحْرَمَ مُعْتَبَرٌ فَهَلْ تَخْرُجُ مِنْ ثِقَاتِ الرِّجَالِ قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ إلَى آخِرِهِ: وَقَوْلُهُ عِنْدَنَا مَحْمُولٌ عَلَى رِجَالٍ لَا امْرَأَةَ مَعَهُمْ فَيُكْرَهُ لَهَا الْخُرُوجُ مَعَهُمْ لِمَا فِيهِ مِنْ دُعَاءِ الْحَاجَةِ إلَى مُخَالَطَتِهَا لَهُمْ وَكَشْفِهَا عَلَيْهِمْ فِي بَعْضِ الْمَآرِبِ فَإِنْ كَانَ مَعَهُمْ نِسْوَةٌ تَرْتَفِقُ بِهِنَّ وَتَسْتَنِدُ إلَيْهِنَّ لَمْ يُكْرَهْ ذَلِكَ انْتَهَى. فَحَمَلَ سَنَدٌ وَعِيَاضٌ قَوْلَ ابْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ عَلَى الْوِفَاقِ وَحَمَلَهُ اللَّخْمِيُّ عَلَى الْخِلَافِ وَاخْتَارَهُ قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ اللَّخْمِيُّ: قَوْلُ ابْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ لَا تَخْرُجُ مَعَ رِجَالٍ دُونَهُ أَحْسَنُ مِنْ قَوْلِ مَالِكٍ رِجَالٌ أَوْ نِسَاءٌ لَا بَأْسَ بِهِمْ انْتَهَى، وَنَقَلَ الثَّلَاثَةَ الْأَقْوَالَ الْمُتَقَدِّمَةَ الشَّيْخُ بَهْرَامُ فِي الْكَبِيرِ عَنْ الْفَاكِهَانِيِّ فِي شَرْحِ الرِّسَالَةِ لَا بِزَوْجٍ أَوْ مَحْرَمٍ وَهُوَ كَذَلِكَ فِيمَا كَانَ عَلَى مَسَافَةِ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ فَأَكْثَرَ وَسَوَاءٌ كَانَتْ شَابَّةً أَوْ مُتَجَالَّةً وَقَيَّدَ الْقَلِيلَ.
(الْخَامِسُ) حُكْمُ سَفَرِهَا الْوَاجِبِ جَمِيعِهِ حُكْمُ سَفَرِهَا لِحَجِّ الْفَرِيضَةِ فِي الْخُرُوجِ مَعَ الرُّفْقَةِ الْمَأْمُونَةِ قَالَهُ الْقَاضِي عَبْدُ الْوَهَّابِ وَغَيْرُهُ وَتَقَدَّمَ فِي كَلَامِ ابْنِ رُشْدٍ والتِّلِمْسَانِيِّ عَنْ الْأَبْهَرِيِّ إشَارَةٌ إلَى ذَلِكَ وَذَلِكَ كَسَفَرِهَا لِحَجَّةِ النَّذْرِ وَالْقَضَاءِ وَكُلِّ سَفَرٍ يَجِبُ عَلَيْهَا وَفِي قَوْلِ الْمُصَنِّفِ بِفَرْضِ إشَارَةٍ إلَى ذَلِكَ فَعِبَارَتُهُ أَحْسَنُ مِنْ قَوْلِ صَاحِبِ الرِّسَالَةِ إلَّا فِي حَجِّ الْفَرِيضَةِ خَاصَّةً.
(السَّادِسُ) فُهِمَ مِنْ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ بِفَرْضِ أَنَّ سَفَرَهَا فِي التَّطَوُّعِ لَا يَجُوزُ إلَّا بِزَوْجٍ أَوْ مَحْرَمٍ وَهُوَ كَذَلِكَ فِيمَا كَانَ عَلَى مَسَافَةِ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ فَأَكْثَرَ وَسَوَاءٌ كَانَتْ شَابَّةً أَوْ مُتَجَالَّةً وَقَيَّدَ ذَلِكَ الْبَاجِيُّ بِالْعَدَدِ الْقَلِيلِ وَنَصُّهُ: هَذَا عِنْدِي فِي الِانْفِرَادِ وَالْعَدَدِ الْيَسِيرِ فَأَمَّا فِي الْقَوَافِلِ الْعَظِيمَةِ فَهِيَ عِنْدِي كَالْبِلَادِ يَصِحُّ فِيهَا سَفَرُهَا دُونَ نِسَاءٍ وَذَوِي مَحَارِمَ انْتَهَى، وَنَقَلَهُ عَنْهُ فِي الْإِكْمَالِ وَقَبِلَهُ وَلَمْ يَذْكُرْ خِلَافَهُ وَذَكَرَهُ الزَّنَاتِيُّ فِي شَرْحِ الرِّسَالَةِ عَلَى أَنَّهُ الْمَذْهَبُ فَيُقَيِّدُ بِهِ كَلَامَ الْمُصَنِّفِ وَغَيْرِهِ وَنَصُّ كَلَامِ الزَّنَاتِيِّ إذَا كَانَتْ فِي رُفْقَةٍ مَأْمُونَةٍ ذَاتِ عَدَدٍ وَعُدَدٍ أَوْ جَيْشٍ مَأْمُونٍ مِنْ الْغَلَبَةِ وَالْمَحَلَّةُ الْعَظِيمَةِ فَلَا خِلَافَ فِي جَوَازِ سَفَرِهَا مِنْ غَيْرِ ذِي مَحْرَمٍ فِي جَمِيعِ الْأَسْفَارِ الْوَاجِبِ مِنْهَا وَالْمَنْدُوبِ وَالْمُبَاحِ مِنْ قَوْلِ مَالِكٍ وَغَيْرِهِ إذْ لَا فَرْقَ بَيْنَ مَا تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ وَبَيْنَ الْبَلَدِ هَكَذَا ذَكَرَهُ الْقَابِسِيُّ انْتَهَى.
(السَّابِعُ) قَوْلُهُ يَعْرِضُ فِي مَوْضِعِ الْحَالِ مِنْ الْمَرْأَةِ الْمَفْهُومَةِ مِنْ السِّيَاقِ فَهُوَ مُتَعَلِّقٌ بِمَحْذُوفٍ، وَقَالَ الشَّيْخُ بَهْرَامُ: إنَّهُ مُتَعَلِّقٌ بِقَوْلِهِ أُمِنَتْ وَاحْتَرَزَ بِذَلِكَ عَمَّا إذَا كَانَتْ لِرُفْقَةٍ غَيْرِ مَأْمُونَةٍ أَوْ مَأْمُونَةٍ وَهِيَ مُتَطَوِّعَةٌ بِالْحَجِّ فَلَا يُبَاحُ لَهَا ذَلِكَ انْتَهَى مِنْ الشَّرْحِ الْكَبِيرِ. وَقَوْلُهُ: أَوْ مَأْمُونَةٌ وَهِيَ مُتَطَوِّعَةٌ مُخَالِفٌ لِمَا تَقَدَّمَ إلَّا أَنْ يُحْمَلَ عَلَى الْعَدَدِ الْيَسِيرِ، وَقَالَ الْبِسَاطِيُّ: قَوْلُهُ بِفَرْضٍ مُتَعَلِّقٌ بِالتَّشْبِيهِ لِمَا فِيهِ مِنْ مَعْنَى الْفِعْلِ أَيْ وَيُشْبِهُ الْمَحْرَمَ رُفْقَةٌ أُمِنَتْ فِي فَرْضٍ، وَقَوْلُ الشَّارِحِ مُتَعَلِّقٌ بِآمَنْت لَا مَعْنَى لَهُ انْتَهَى فَتَأَمَّلْهُ.
(الثَّامِنُ) قَوْلُ الْمُصَنِّفِ: وَزِيَادَةُ مَحْرَمٍ أَوْ زَوْجٍ لَوْ قَالَ عِوَضَهُ وَاسْتِصْحَابُ مَحْرَمٍ أَوْ زَوْجٍ لَكَانَ أَوْلَى لِإِيهَامِ لَفْظِ الزِّيَادَةِ بِخِلَافِ قَوْلِ ابْنِ الْحَاجِبِ وَالْمَرْأَةُ كَالرَّجُلِ وَزِيَادَةُ اسْتِصْحَابِ زَوْجٍ أَوْ ذِي مَحْرَمٍ لِأَنَّهُ صَدَّرَ بِهِ الْمُسْتَثْنَيَاتِ فَكَانَ أَمْكَنَ قَالَهُ ابْنُ غَازِيٍّ وَهُوَ ظَاهِرٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
(التَّاسِعُ) هَلْ يُشْتَرَطُ فِي الْمَحْرَمِ الْبُلُوغُ أَوْ يَكْفِي فِيهِ التَّمْيِيزُ وَوُجُودُ الْكِفَايَةِ لَمْ أَرَ فِيهِ نَصًّا وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ يَكْفِي فِي ذَلِكَ وُجُودُ الْكِفَايَةِ وَلِلشَّافِعِيَّةِ فِي ذَلِكَ خِلَافٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
(الْعَاشِرُ) فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ فِي أَثْنَاءِ حَدِيثٍ أَنَّهُ «قَامَ رَجُلٌ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّ امْرَأَتِي خَرَجَتْ حَاجَّةً وَإِنِّي اكْتُتِبْت فِي غَزْوَةِ كَذَا فَقَالَ: انْطَلِقْ فَحُجَّ مَعَ امْرَأَتِك» قَالَ الْقَاضِي: فِيهِ وُجُوبُ الْحَجِّ عَلَى النِّسَاءِ وَإِلْزَامُ أَزْوَاجِهِنَّ تَرْكُهُنَّ وَنَدْبُهُمْ إلَى الْخُرُوجِ مَعَهُنَّ وَإِنَّ ذَلِكَ أَفْضَلُ مِنْ خُرُوجِهِ إلَى الْغَزْوِ لِأَنَّ الْمَعُونَةَ عَلَى أَدَاءِ الْفَرِيضَةِ مُؤَكَّدَةٌ وَقَدْ تَكُونُ فَرِيضَةً فِي بَعْضِ الْوُجُوهِ انْتَهَى. وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ سَقَطَ مِنْهُ قَبْلَ قَوْلِهِ مُؤَكَّدَةٌ لَفْظُ سُنَّةٍ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَالظَّاهِرُ أَيْضًا نَدْبُ الْمَحْرَمِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.app/page/contribute