وَالثَّالِثُ: الْعَقْلُ، فَلَا يَصِحُّ صَوْمُ الْمَجْنُونِ. فَلَوْ جُنَّ فِي أَثْنَاءِ النَّهَارِ، بِطَلَ صَوْمُهُ عَلَى الْمَذْهَبِ. وَقِيلَ: هُوَ كَالْإِغْمَاءِ. وَلَوْ نَامَ جَمِيعَ النَّهَارِ، صَحَّ صَوْمُهُ عَلَى الصَّحِيحِ الْمَعْرُوفِ.
وَقَالَ أَبُو الطِّيبِ بْنُ سَلَمَةَ، وَالْإِصْطَخْرِيُّ: لَا يَصِحُّ صَوْمُهُ.
وَلَوْ نَوَى مِنَ اللَّيْلِ، ثُمَّ أُغْمِيَ عَلَيْهِ، فَالْمَذْهَبُ: أَنَّهُ إِنْ كَانَ مُفِيقًا فِي جُزْءٍ مِنَ النَّهَارِ، صَحَّ صَوْمُهُ، وَإِلَّا، فَلَا، وَهَذَا هُوَ الْمَنْصُوصُ فِي «الْمُخْتَصَرِ» فِي بَابِ الصِّيَامِ.
وَفِيهِ قَوْلٌ: أَنَّهُ تُشْتَرَطُ الْإِفَاقَةُ مِنْ أَوَّلِ النَّهَارِ. وَفِي قَوْلٍ: يَبْطُلُ بِالْإِغْمَاءِ وَلَوْ لَحْظَةً فِي النَّهَارِ كَالْحَيْضِ، وَمِنْهُمْ مَنْ أَنْكَرَ هَذَا الْقَوْلَ.
وَفِي قَوْلٍ مُخَرَّجٍ: أَنَّهُ لَا يَبْطُلُ بِالْإِغْمَاءِ وَإِنِ اسْتَغْرَقَ كَالنَّوْمِ.
وَفِي قَوْلٍ خَرَّجَهُ ابْنُ سُرَيْجٍ: تُشْتَرَطُ الْإِفَاقَةُ فِي طَرَفِ النَّهَارِ، وَمِنْهُمْ مَنْ قَطَعَ بِالْمَذْهَبِ، وَمِنْهُمْ مَنْ قَطَعَ بِالْقَوْلِ الثَّانِي. وَلَوْ نَوَى بِاللَّيْلِ، ثُمَّ شَرِبَ دَوَاءً فَزَالَ عَقْلُهُ نَهَارًا، فَقَالَ فِي «التَّهْذِيبِ» إِنْ قُلْنَا: لَا يَصِحُّ الصَّوْمُ فِي الْإِغْمَاءِ، فَهُنَا أَوْلَى، وَإِلَّا فَوَجْهَانِ. وَالْأَصَحُّ: أَنَّهُ لَا يَصِحُّ، لِأَنَّهُ بِفِعْلِهِ.
قَالَ فِي «التَّتِمَّةِ» : وَلَوْ شَرِبَ الْمُسْكِرَ لَيْلًا وَبَقِيَ سُكْرُهُ جَمِيعَ النَّهَارِ، لَزِمَهُ الْقَضَاءُ، وَإِنْ صَحَا فِي بَعْضِهِ، فَهُوَ كَالْإِغْمَاءِ فِي بَعْضِ النَّهَارِ. وَأَمَّا الْغَفْلَةُ، فَلَا أَثَرَ لَهَا فِي الصَّوْمِ بِالِاتِّفَاقِ.
الشَّرْطُ الرَّابِعُ: الْوَقْتُ قَابِلٌ لِلصَّوْمِ. وَأَيَّامُ السَّنَةِ كُلُّهَا - غَيْرَ يَوْمَيِ الْعِيدَيْنِ، وَأَيَّامِ التَّشْرِيقِ، وَيَوْمِ الشَّكِّ - قَابِلَةٌ لِلصَّوْمِ مُطْلَقًا. فَأَمَّا يَوْمَا الْعِيدَيْنِ، فَلَا يَقْبَلَانِهِ. وَأَمَّا أَيَّامُ التَّشْرِيقِ، فَلَا تُقْبَلُ عَلَى الْجَدِيدِ. وَقَالَ فِي الْقَدِيمِ: يَجُوزُ لِلْمُتَمَتِّعِ، وَلِلْعَادِمِ لِلْهَدْيِ، صَوْمُهَا عَنِ الثَّلَاثَةِ الْوَاجِبَةِ فِي الْحَجِّ. فَعَلَى هَذَا، هَلْ يَجُوزُ لِغَيْرِ الْمُتَمَتِّعِ صَوْمُهَا؟ وَجْهَانِ. الصَّحِيحُ وَبِهِ قَالَ الْأَكْثَرُونَ: لَا يَجُوزُ.
قُلْتُ: وَإِذَا جَوَّزْنَا لِغَيْرِ الْمُتَمَتِّعِ، فَهُوَ مُخْتَصٌّ بِصَوْمٍ لَهُ سَبَبٌ مِنْ وَاجِبٍ أَوْ نَفْلٍ. فَأَمَّا مَا لَا سَبَبَ لَهُ، فَلَا يَجُوزُ عِنْدَ الْجُمْهُورِ مِمَّنْ ذَكَرَ هَذَا الْوَجْهَ وَقَالَ إِمَامُ الْحَرَمَيْنِ: هُوَ كَيَوْمِ الشَّكِّ، وَهَذَا الْقَدِيمُ هُوَ الرَّاجِحُ دَلِيلًا، وَإِنْ كَانَ مَرْجُوحًا عِنْدَ الْأَصْحَابِ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.app/page/contribute