وَهَلْ يَجِبُ الْحَقُّ بِفَرَاغِ الْمُدَّعِي مِنَ الْيَمِينِ الْمَرْدُودَةِ، أَمْ لَا بُدَّ مِنْ حُكْمِ الْحَاكِمِ بِالْحَقِّ؟ وَجْهَانِ، حَكَاهُمَا الْهَرَوِيُّ، الْأَرْجَحُ الْأَوَّلُ، أَمَّا إِذَا امْتَنَعَ الْمُدَّعِي مِنَ الْحَلِفِ، فَيَسْأَلُهُ الْقَاضِي عَنِ امْتِنَاعِهِ، فَإِنْ لَمْ يَتَعَلَّلْ بِشَيْءٍ أَوْ قَالَ: لَا أُرِيدُ الْحَلِفَ، فَهَذَا نُكُولٌ يُسْقِطُ حَقَّهُ مِنَ الْيَمِينِ، وَلَيْسَ لَهُ مُطَالَبَةُ الْخَصْمِ وَمُلَازَمَتُهُ، وَهَلْ يَتَمَكَّنُ مِنِ اسْتِئْنَافِ الدَّعْوَى، وَتَحْلِيفِهِ فِي مَجْلِسٍ آخَرَ، فَإِنْ نَكَلَ حَلَفَ الْمُدَّعِي، أَمْ لَا يَتَمَكَّنُ مِنْ ذَلِكَ، وَلَا يَنْفَعُهُ بَعْدَهُ إِلَّا الْبَيِّنَةُ؟ وَجْهَانِ، الَّذِي ذَكَرَهُ الْعِرَاقِيُّونَ، وَالْهَرَوِيُّ وَالرُّويَانِيُّ الْأَوَّلُ، وَبِالثَّانِي قَالَ الْإِمَامُ وَالْغَزَالِيُّ وَالْبَغَوِيُّ، وَهُوَ أَحْسَنُ وَأَصَحُّ، لِئَلَّا تَتَكَرَّرَ دَعْوَاهُ فِي الْقَضِيَّةِ الْوَاحِدَةِ، وَإِنْ ذَكَرَ الْمُدَّعِي لِامْتِنَاعِهِ سَبَبًا، فَقَالَ: أُرِيدُ أَنْ آتِيَ بِالْبَيِّنَةِ أَوْ أَسْأَلَ الْفُقَهَاءَ، أَوْ أَنْظُرَ فِي الْحِسَابِ، تُرِكَ وَلَمْ يَبْطُلْ حَقُّهُ مِنَ الْيَمِينِ وَهَلْ تُقَدَّرُ مُدَّةُ الْإِمْهَالِ بِثَلَاثَةِ أَيَّامٍ؟ وَجْهَانِ، أَصَحُّهُمَا: نَعَمْ، لِئَلَّا تَطُولَ مُدَافَعَتُهُ، وَالثَّانِي: لَا تَقْدِيرَ؛ لِأَنَّ الْيَمِينَ حَقُّهُ، فَلَهُ تَأْخِيرُهُ إِلَى أَنْ يَشَاءَ كَالْبَيِّنَةِ. وَلَمْ يَذْكُرِ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ فِيمَا إِذَا امْتَنَعَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ مِنَ الْيَمِينِ أَنَّهُ يَسْأَلُ عَنْ سَبَبِ امْتِنَاعِهِ، فَقَالَ ابْنُ الْقَاصِّ: قِيَاسُ مَا ذَكَرَهُ فِي امْتِنَاعِ الْمُدَّعِي أَنْ يَسْأَلَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ عَنْ سَبَبِ امْتِنَاعِهِ أَيْضًا، وَامْتَنَعَ عَامَّةُ الْأَصْحَابِ مِنْ هَذَا الْإِلْحَاقِ فَارِقِينَ بِأَنَّ امْتِنَاعَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ أَثْبَتَ لِلْمُدَّعِي حَقَّ الْحَلِفِ، وَالْحُكْمَ بِيَمِينِهِ، فَلَا يُؤَخِّرُ حَقَّهُ بِالسُّؤَالِ، وَامْتِنَاعُ الْمُدَّعِي لَا يُثْبِتُ حَقًّا لِغَيْرِهِ، فَلَا يَضُرُّ السُّؤَالُ. وَلَوْ قَالَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ حِينَ اسْتُحْلِفَ: أَمْهِلُونِي لِأَنْظُرَ فِي الْحِسَابِ، أَوْ أَسْأَلَ الْفُقَهَاءَ، فَهَلْ يُمْهَلُ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ، أَمْ لَا يُمْهَلُ شَيْئًا إِلَّا بِرِضَا الْمُدَّعِي؟ وَجْهَانِ، أَصَحُّهُمَا وَأَشْهَرُهُمَا الثَّانِي؛ لِأَنَّهُ مَقْهُورٌ مَحْمُولٌ عَلَى الْإِقْرَارِ، أَوِ الْيَمِينِ بِخِلَافِ الْمُدَّعِي، فَإِنَّهُ مُخْتَارٌ فِي طَلَبِ حَقِّهِ وَتَأْخِيرِهِ، وَلَوِ اسْتَمْهَلَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.app/page/contribute