فَعَلُوا مَا يَعْتَقِدُونَ تَحْرِيمَهُ، يَجْرِي عَلَيْهِمْ حُكْمُ اللَّهِ تَعَالَى فِيهِ، وَلَا يُعْتَبَرُ رِضَاهُمْ، وَذَلِكَ كَالزِّنَى وَالسَّرِقَةِ، فَإِنَّهُمَا مُحَرَّمَانِ عِنْدَهُمْ كَشَرْعِنَا، وَقَدْ بَيَّنَّا حُكْمَهُمَا فِي الْبَابَيْنِ، وَذَكَرْنَا الْفَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَزْنِيَ بِمُسْلِمَةٍ، وَيَسْرِقَ مَالَ مُسْلِمٍ، أَوْ يُزْنَى بِذِمِّيَّةٍ، وَيُسْرَقُ مَالُ ذِمِّيٍّ، وَأَمَّا مَا يَعْتَقِدُونَ حِلَّهُ، فَقَدْ سَبَقَ أَنَّ حَدَّ الشُّرْبِ لَا يُقَامُ عَلَى ذَمِّيٍّ عَلَى الْأَصَحِّ وَإِنْ رَضِيَ بِحُكْمِنَا، وَلَوْ نَكَحَ مَجُوسِيٌّ مَحْرَمًا لَهُ، لَمْ يُتَعَرَّضْ لَهُ، فَإِنْ رَفَعُوا إِلَيْنَا وَرَضُوا بِحُكْمِنَا، حَكَمْنَا، وَهَلْ يَجِبُ الْحُكْمُ؟ فِيهِ الْقَوْلَانِ الْمَعْرُوفَانِ، وَيَلْزَمُهُمْ كَفُّ اللِّسَانِ، وَالِامْتِنَاعُ مِنْ إِظْهَارِ الْمُنْكَرَاتِ، كَإِسْمَاعِ الْمُسْلِمِينَ شِرْكَهُمْ، وَقَوْلِهِمْ ثَالِثُ ثَلَاثَةٍ، وَاعْتِقَادِهِمْ فِي الْمَسِيحِ وَعُزَيْرٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَإِظْهَارِ الْخَمْرِ وَالْخِنْزِيرِ وَالنَّاقُوسِ وَأَعْيَادِهِمْ وَقِرَاءَتِهِمُ التَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ، وَإِحْدَاثِهِمُ الْكَنَائِسَ فِي بِلَادِنَا، وَإِطَالَتِهِمُ الْبِنَاءَ، وَتَرْكِهِمْ مُخَالَفَةً لِمَا شُرِطَ، فَإِنْ أَظْهَرُوا شَيْئًا مِنْ هَذِهِ، مُنِعُوا وَعُزِّرُوا وَلَكِنْ لَا يَنْتَقِضُ بِهِ عَهْدُهُمْ، سَوَاءً شُرِطَ الِامْتِنَاعُ مِنْهَا فِي الْعَقْدِ أَمْ لَا، فَإِنْ شُرِطَ عَلَيْهِمُ الِانْتِقَاضُ بِهَذِهِ الْأَسْبَابِ، فَقَالَ الْإِمَامُ: يُبْنَى ذَلِكَ عَلَى الْخِلَافِ فِي صِحَّةِ عَقْدِ الذِّمَّةِ مُؤَقَّتًا، إِنْ صَحَّحْنَاهُ، صَحَّ الْعَقْدُ، فَيَنْتَقِضُ إِذْ أَظْهَرُوا، وَإِنْ لَمْ نُصَحِّحْهُ، فَسَدَ الْعَقْدُ مَنْ أَصْلِهِ، وَالْحِكَايَةُ عَنِ الْأَصْحَابِ أَنَّهُ لَا يَنْتَقِضُ، بَلْ يَفْسُدُ الشَّرْطُ، وَيَتَأَبَّدُ الْعَقْدُ، وَيُحْمَلُ مَا جَرَى عَلَى تَخْوِيفِهِمْ، وَيَنْتَقِضُ عَهْدُهُمْ بِقِتَالِهِمُ الْمُسْلِمِينَ، سَوَاءً شُرِطَ عَلَيْهِمُ الِامْتِنَاعُ مِنْهُ أَمْ لَا، هَذَا إِذَا لَمْ تَكُنْ شُبْهَةٌ، فَلَوْ أَعَانُوا الْبُغَاةَ، وَادَّعَوْا أَنَّهُمْ لَمْ يَعْرِفُوا الْحَالَ، فَقَدْ سَبَقَ بَيَانُهُ فِي قِتَالِ الْبُغَاةِ، وَلَوْ مَنَعُوا الْجِزْيَةَ، أَوِ امْتَنَعُوا مِنْ إِجْرَاءِ أَحْكَامِ الْإِسْلَامِ عَلَيْهِمْ، انْتَقَضَ عَهْدُهُمْ، هَكَذَا قَالَهُ الْأَصْحَابُ، قَالَ الْإِمَامُ: هَذَا إِذَا مَنَعَ مَعَ الْقُدْرَةِ، فَأَمَّا الْعَاجِزُ إِذَا اسْتُمْهِلَ فَلَا يُنْتَقَضُ عَهْدُهُ، قَالَ: وَلَا يَبْعُدُ أَنْ يُقَالَ: تُؤْخَذُ الْجِزْيَةُ مِنَ الْمُوسِرِ الْمُمْتَنِعِ قَهْرًا، وَلَا يُجْعَلُ الِامْتِنَاعُ نَاقِضًا كَسَائِرِ الدُّيُونِ، وَيُخَصَّصُ مَا قَالَهُ الْأَصْحَابُ بِالْمُتَغَلِّبِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.app/page/contribute