فِي مَفَازَةٍ وَبُقْعَةٍ ضَائِعَةٍ، فَوَجْهَانِ، أَحَدُهُمَا: لَيْسَ بِحِرْزٍ، وَبِهِ قَطَعَ صَاحِبُ «الْمُهَذَّبِ» وَالْغَزَالِيُّ وَعَزَاهُ إِلَى جَمَاهِيرِ الْأَصْحَابِ؛ لِأَنَّ السَّارِقَ يَأْخُذُ مِنْ غَيْرِ خَطَرٍ، وَالثَّانِي وَاخْتَارَهُ الْقَفَّالُ وَالْقَاضِي، وَرَجَّحَهُ الْعَبَّادِيُّ: الْقَبْرُ حِرْزٌ لِلْكَفَنِ حَيْثُ كَانَ؛ لِأَنَّ النُّفُوسَ تَهَابُ الْمَوْتَى، وَلَوْ كَانَ الْقَبْرُ فِي بَيْتٍ مُحْرَزٍ فَسَرَقَ الْكَفَنَ حَافِظُ الْبَيْتِ، فَعَلَى الْوَجْهِ الْأَوَّلِ لَا قَطَعَ، وَعَلَى الثَّانِي: يَجِبُ، وَلَوْ كَانَ الْقَبْرُ فِي مَقَابِرِ الْبِلَادِ الْوَاقِعَةِ عَلَى طَرَفِ الْعِمَارَةِ، فَإِنْ كَانَ لَهَا حَارِسٌ، وَجَبَ الْقَطْعُ، وَإِلَّا فَوَجْهَانِ، أَصَحُّهُمَا: يَجِبُ أَيْضًا؛ لِأَنَّهُ حِرْزٌ فِي الْعَادَةِ.
الثَّانِيَةُ: لَوْ وُضِعَ فِي الْقَبْرِ شَيْءٌ سِوَى الْكَفَنِ، قَالَ الْإِمَامُ: إِنْ كَانَ الْقَبْرُ فِي بَيْتٍ، تَعَلَّقَ الْقَطْعُ بِسَرِقَتِهِ، وَإِنْ كَانَ فِي الْمَقَابِرِ فَوَجْهَانِ، أَصَحُّهُمَا وَبِهِ قَطَعَ الْجُمْهُورُ: لَا قَطْعَ لِلْعَادَةِ، بِخِلَافِ الْكَفَنِ؛ لِأَنَّ الشَّرْعَ قَطَعَ فِيهِ النَّبَّاشَ، وَجَعَلَهُ مُحْرَزًا لِضَرُورَةِ التَّكْفِينِ وَالدَّفْنِ، وَخَصَّ الْإِمَامُ الْوَجْهَ الْآخَرَ بِمَا إِذَا كَانَ مِنْ جِنْسِ الْكَفَنِ، كَثَوْبٍ وُضِعَ فِيهِ، وَكَمَا لَوْ كُفِّنَ فِي زِيَادَةٍ عَلَى خَمْسَةِ أَثْوَابٍ، فَفِي الزِّيَادَةِ عَلَى الْخَمْسَةِ الَّتِي تَلِي الْمَيِّتَ الْوَجْهَانِ، وَلَيْسَ الْوَجْهُ مُخْتَصًّا فَقَدْ حَكَاهُ الرَّويَانِيُّ فِيمَا لَوْ وُضِعَ فِي الْقَبْرِ مِضْرَبَةٌ، أَوْ وِسَادَةٌ لِلْمَيِّتِ، وَعَنْ بَعْضِهِمْ أَنَّهُ أَجْرَاهُ فِيمَا لَوْ وُضِعَ مَعَهُ دَرَاهِمُ أَوْ دَنَانِيرُ، بَلْ فِي «الرَّقْمِ» لِلْعَبَّادِيِّ أَنَّ الْقَفَّالَ أَوْجَبَ الْقَطْعَ فِيمَا لَوْ دُفِنَ مَعَهُ مَالٌ فِي بَرِّيَّةٍ، وَالتَّابُوتُ الَّذِي يُدْفَنُ فِيهِ كَالْأَكْفَانِ الزَّائِدَةِ، وَالزِّيَادَةُ عَلَى مَا اسْتُحِبَّ تَطْيِيبُ الْمَيِّتِ بِهِ، كَسَائِرِ الْأَمْوَالِ، وَعَنِ الْمَاسَرْجِسِيُّ أَنَّهُ يُقْطَعُ بِالْقَدْرِ الْمُتَسَحَّبِ كَالْكَفَنِ.
الثَّالِثَةُ: إِذَا كُفِّنَ مِنْ تَرِكَتِهِ، فَلِمَنِ الْكَفَنُ؟ فِيهِ أَوْجُهٌ، أَصَحُّهَا: لِلْوَرَثَةِ، لَكِنْ يُقَدَّمُ الْمَيِّتُ فِيهِ كَقَضَاءِ دَيْنِهِ وَإِنْ كَانَ الْمِلْكُ لِلْوَرَثَةِ، وَعَلَى هَذَا لَوْ سَرَقَهُ بَعْضُ الْوَرَثَةِ، أَوْ وَلَدُ بَعْضِهِمْ، فَلَا قَطْعَ،
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.app/page/contribute