لَيْسَ لِمِثْلِهَا أُجْرَةٌ، صَحَّ الْعَقْدُ، وَإِلَّا، فَلَا، لِأَنَّهُ إِجَارَةُ مُدَّةٍ مُسْتَقْبَلَةٍ. وَالثَّانِي: أَنَّهُ إِنْ كَانَ يَذْهَبُ فِي التَّفْرِيغِ جَمِيعُ مُدَّةِ الْإِجَارَةِ، لَمْ يَصِحَّ. وَإِنْ كَانَ يَبْقَى مِنْهَا شَيْءٌ، صَحَّ وَلَزِمَ قِسْطُهُ مِنَ الْأُجْرَةِ إِذَا وُجِدَ فِيهِ التَّسْلِيمُ. وَخَرَّجُوا عَلَى الْجَوَابَيْنِ، مَا إِذَا اسْتَأْجَرَ دَارًا بِبَلَدٍ آخَرَ، فَإِنَّهُ لَا يَتَأَتَّى التَّسْلِيمُ إِلَّا بِقَطْعِ الْمَسَافَةِ بَيْنَ الْبَلَدَيْنِ، وَمَا إِذَا [بَاعَ] جَمْدًا وَزْنًا وَكَانَ يَنْمَاعُ بَعْضُهُ إِلَى أَنْ يُوزَنَ.
قُلْتُ: الصَّحِيحُ مِنَ الْجَوَابَيْنِ هُوَ الْأَوَّلُ، بَلْ قَدْ تَقَدَّمَ فِي الشَّرْطِ الثَّالِثِ مِنَ الرُّكْنِ الرَّابِعِ مِنَ الْبَابِ الْأَوَّلِ وَجْهٌ: أَنَّهُ لَا تَصِحُّ إِجَارَةُ الْمَشْحُونَةِ بِالْقُمَاشِ وَإِنْ أَمْكَنَ تَفْرِيغُهَا فِي الْحَالِ. وَتَقَدَّمَ هُنَاكَ، أَنَّ الْمَذْهَبَ صِحَّةُ إِجَارَةِ الْأَرْضِ الْمَسْتُورَةِ بِالْمَاءِ لِلزِّرَاعَةِ، وَلَيْسَ هُوَ مُخَالِفًا لِلْمَذْكُورِ هُنَا، لِأَنَّ التَّعْلِيلَ هُنَاكَ بِأَنَّ الْمَاءَ مِنْ مَصَالِحِهَا مَفْقُودٌ هُنَا.
وَالْأَصَحُّ عِنْدِي، فِيمَا إِذَا اسْتَأْجَرَ دَارًا بِبَلَدٍ آخَرَ، الصِّحَّةُ، وَفِي الْجَمْدِ الْمَنْعُ، لِإِمْكَانِ بَيْعِهِ جُزَافًا. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
الثَّالِثَةَ عَشْرَةَ: إِذَا اسْتَأْجَرَ لِلْخِدْمَةِ، وَذَكَرَ وَقْتَهَا مِنَ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ، وَفَصَّلَ أَنْوَاعَهَا، صَحَّ. وَإِنْ أَطْلَقَ، فَقَدْ حُكِيَ عَنِ النَّصِّ الْمَنْعُ، وَالْمَذْهَبُ الْجَوَازُ، وَيَلْزَمُ مَا جَرَتِ الْعَادَةُ بِهِ. وَفَصَّلَ الْقَاضِي أَبُو سَعْدِ بْنُ أَبِي يُوسُفَ أَنْوَاعَهَا فَقَالَ: يَدْخُلُ فِي هَذِهِ الْإِجَارَةِ، غُسْلُ الثَّوْبِ وَخِيَاطَتُهُ، وَالْخَبْزُ وَالْعَجْنُ وَإِيقَادُ النَّارِ وَالتَّنُّورِ، وَعَلْفُ الدَّابَّةِ وَحَلْبُهَا، وَخِدْمَةُ الزَّوْجَةِ، وَالْغَرْسُ فِي الدَّارِ، وَحَمْلُ الْمَاءِ إِلَى الدَّارِ لِلشُّرْبِ، وَإِلَى الْمُتَوَضَّئِ لِلطَّهَارَةِ.
وَعَنْ سَهْلٍ الصُّعْلُوكِيِّ: أَنَّ عَلْفَ الدَّابَّةِ وَحَلْبَهَا، وَخِدْمَةَ الزَّوْجَةِ، لَا تَدْخُلُ إِلَّا بِالتَّنْصِيصِ عَلَيْهَا، وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ الْحُكْمُ كَذَلِكَ فِي خِيَاطَةِ الثَّوْبِ وَحَمْلِ الْمَاءِ إِلَى الدَّارِ، وَيَجُوزُ أَنْ يَخْتَلِفَ الْحُكْمُ فِيهِ بِالْعَادَةِ. وَذَكَرَ بَعْضُ شُرَّاحِ «الْمِفْتَاحِ» أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ إِخْرَاجُهُ مِنَ الْبَلْدَةِ، إِلَّا أَنْ يَشْرُطَ عَلَيْهِ مَسَافَةً
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.app/page/contribute